مكانك لم يأذن لك، فقال هارون: تستأذن أنت وتخفي مكاني عنه حتى يأذن بالدخول فاستأذن ابن المبارك، فقال له: مرحبا بأخي وصاحبي، فقال ابن المبارك ومن معي يدخل؟ فقال الفضيل: ومن معك؟ فقال: رجل من قريش، فقال الفضيل: لا آذن له، فقال له ابن المبارك: إنه من العلم والعناية، والفقه بمكان.
فسمح له بالدخول فنظر إليه الفضيل ساعة ثم قال: هذا الوجه الجميل يُسأل غدا بين يدي الله عن أمة محمد، ويؤاخذ بها، ثم جعل الفضيل يعظه حتى بكى الرشيد بكاء شديدا يدل عليه قول ابن المبارك: ما رأيت أحدا يبكي بكاء الرشيد يومئذ.
انظروا إلى من التزم الإذن عندكم فاكتبوه في ألف من العطاء، ومن جمع القرآن وأقبل على طلب العلم، وعمر مجالس العلماء، ومقاعد الأدباء، فاكتبوه في ألفي دينار، ومن جمع القرآن، وأقبل وروى الحديث، وتفقه في العلم واستبحر فاكتبوه في أربعة آلاف.
وليكن ذلك بامتحان الرجال السابقين لهذا الأمر، من المعروفين به من علماء عصركم، وفضلاء دهركم فاستمعوا قولههم، واْطيعوا أمرهم، فإن الله تعالى يقول: { … أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ … (٥٩)} [النساء]، وهم أهل العلم.
قال ابن المبارك: فما رأيت عالما، ولا قارئا للقرآن، ولا سابقا للخيرات، ولا حافظا للمحرمات في أيام بعد أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأيام الخلفاء والصحابة أكثر منهم في زمن الرشيد وأيامه.
ولقد كان الغلام يجمع الفرآن وهو ابن ثماني سنين.
ولقد كان الغلام يستبحر في الفقه والعلم، ويروي الحديث، ويجمع الدواوين ويناظر المعلمين وهو ابن إحدى عشرة سنة.