للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالها أربع مرار، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو أن خالدًا لم يكتب لي أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا، لألقيت رؤوسكم تحت أقدامكم". فقال يزيد بن عبد المدان: أما واللَّه ما حمدناك ولا حمدنا خالدًا. قال: "فمن حمدتم؟ " قالوا: حمدنا اللَّه عز وجل الذي هدانا بك يا رسول اللَّه. قال: "صدقتم".

ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بمَ كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟ "

قالوا: لم نكن نغلب أحدًا، قال: بلى، قد كنتم تغلبون من قاتلكم.

قالوا: كنا نجتمع ولا نفترق، ولا نبدأ أحدًا بظلم، قال: "صدقتم". وأمّر عليهم قيس بن الحصين.

ثم بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إليهم عمرو بن حزم، ليفقههم في الدين: ويعلمهم الكتاب والسنة ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم، وكتب إليه كتابًا عهد إليه فيه عهده. ثم لم يلبث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد بني الحارث إلا أربعة أشهر، حتى توفي (١).

قال ابن إسحاق: وقدم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وفد نصارى نجران، ستون راكبًا (٢).

عَنْس: تقدم نسبهم، وهم عنس بن مذحج، وتقدم بقية النسب. وفد منهم رجل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فأتاه وهو يتعشى، فدعاه إلى العشاء فجلس، فلما تعشى أقبل عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "أتشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا عبده ورسوله؟ " فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا عبده ورسوله. فقال: "أراغبًا جئت أم راهبًا؟ " فقال: أما الرغبة فواللَّه ما في يديك مال، وأما الرهبة فواللَّه إنني ببلد ما تبلغه جيوشك، ولكنني خُوِّفت فخفت، وقيل لي آمن باللَّه فآمنت (٣).

فأقبل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، على القوم فقال: "رب خطب من عنس! " فمكث يختلف إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم جاءه يودعه فقال: اخرج، وبتته (٤)، وقال: إن


(١) السيرة النبوية ص ٥٩٢ - ٥٩٤ جـ ١ طبعة البابي الحلبي.
(٢) انظره في تاريخ نجران والطبقات لابن سعد ج ١ ص ٣٣٩ مع اختلاف بسيط في الألفاظ وزيادات جمل بسيطة، وفي مكان آخر جعل السيرة إلى بني عبد المدان، ولا خلاف، فبنوا عبد المدان هم ملوك بني الحارث.
(٣) رحم اللَّه ذاك الصحابي، فلو نظر بعين الغيب لأدرك أن جيوش محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- لن يقف شيء ضدها.
(٤) بتته: جهزه وزوده.

<<  <  ج: ص:  >  >>