فكانت دوس أتباعًا لهم، وكان القتيل من آل الحارث تؤخذ له ديتان، ويعطون إذا لزمهم عقل قتيل من دوس دية واحدة، فقال غلامان من بني الحارث يومًا: ائتوا شيخ بني دوس وزعيمهم الذين ينتهون إلى أمره، فلنقتله، فأتياه، فقالا: يا عم إن لنا أمرًا نريد أن تحكم بيننا فيه، فأخرجاه من منزله، فلما تنحيا به قال أحدهما: يا عم إن رجلي قد دخلت فيها شوكة فأخرجها لي، فنكس الشيخ رأسه لينزعها وضربه الآخر فقتله. فعمدت دوس إلى سيد بني الحارث، وكان نازلا في قَنَوْنا فأقاموا له في غيضة الوادي، وسرحت إبله، فأخذوا منها ناقة، فأدخلوها الغيضة وعقلوها فجعلت الناقة ترغو وتحن إلى الإبل، فنزل الشيخ إلى الغيضة ليعرف شأن الناقة، فوثبوا عليه فقتلوه، ثم أتوا أهلهم، وعرفت بنو الحارث الخبر، فجمعوا لدوس وغزوهم، فنذروا بهم فقاتلوهم فتناصفوا، وظفرت بنو الحارث بغلمة من دوس فقتلوهم، ثم إن دوسًا اجتمع منهم تسعة وسبعون رجلا فقالوا: من يكلمنا من يمانينا حتى نغزو أهل ضماد، وكان ضماد قد أتى عكاظا، فأرادوا أن يخالفوه إلى أهله، فمروا برجل من دوس وهو يتغنى:
فإن السلم زائدة نواها … وإن نوى المحارب لا تروب
فقالوا هذا لا يتبعكم، ولا ينفعكم إن تبعكم، أما تسمعون غناءه في السلم فأتوا حممة بن عمرو فقالوا: أرسل إلينا بعض ولدك. فأجابهم قائلا: وأنا إن شئتم!! وهو عاصب حاجبيه من الكبر، فأخرج معه ولده جميعًا، وخرج معهم، وقال لهم: تفرقوا فرقتين فإذا عرفت بعضكم وجوه بعض فأغيروا، وإياكم والغارة حتى تتفارقوا، لا يقتل بعضكم بعضا، ففعلوا فلم يلتفتوا حتى قتلوا ذلك الحي من آل الحارث، وقتلوا ابنا لضماد، فلما قدم [من عكاظ] قطع أذني ناقته وذنبها وصرخ في آل الحارث، فلم يزل يجمعهم سبع سنين، ودوس تجتمع بإزائه، وهم مع ذلك يتغاورون ويتطرف بعضهم بعضًا. وكان ضماد قد قال لابن أخ له يكنى أبا سفيان لما أراد أن يأتي إلى عكاظ: إن كنت تحرز أهلي وإلا أقمت عليهم، فقال له: أنا أحرزهم من مائة، فإن زادوا فلا. وكانت تحت ضماد امرأة من دوس -وهي أخت مربان بن سعد الدوسي الشاعر- فلما أغارت دوس على بني الحارث قصدها أخوها فلاذت به، وضمت فخذها على ابنها من ضماد وقالت: يا أخي اصرف عني القوم فإني حائض، لا يكشفوني. فنكز سية القوس في درعها