الستر، واستحلوا حرمته، فتركوه لها، فانصرف وقال شعرًا يمدحها. ولكن حسانًا استمر في تحريض دوس، ومما قال:
إن تقتلوا مائةً به فَدَنِيَّةٌ … بأبي أُزيهر من رجالِ الأبْطح
فلم ترض الأزدُ حتى غاورت قريشًا، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، فقال شاعر من دوس:
ألا أبلغا حَسَّان أعني ابن ثابتٍ … بأنَّا ثأرنا من قتيل المضَيَّحِ
ثلاثين من أبناء فهْر بن مالك … وعشرين إلا واحدًا لم يتَيَّحِ
تركنا سراةَ الحيِّ تَيْمًا وعامرا … وسهمًا ومخزومًا كشاءٍ مذبحِ
ووضعت دوس خرجا على قريش لما طلبوا الصلح، وقال في ذلك سراقة الأكبر بن مرداس: -من قصيدة-
فلما أن قضينا الدَّين قالوا: … نريد السَّلْمَ، قلنا قد رضِينا
وضَعْنَا الخَرْجَ موظوفًا عليهم … يؤدُّونَ الإتاوة، آخرينا
لنا في العير دينارٌ مُسمَّى … به حَزُّ الحلاقَم يتَّقونا
ولولا ذاك ما جالت قريش … شمالا في البلاد ولا يمينا
فلم يزل ذلك عليهم يؤدونه للأزد حتى ظهر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فطرحه فيما طرح من سنن الجاهلية.
ويظهر أن مقتل أبي أزيهر -وقد حدث بعد ظهور الإسلام- قد كان من الأمور التي استغلتها (الدعاية الإسلامية) للإيقاع بين قريش وبين دوس، فهذا حسان بن ثابت شاعر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يحرض دوسًا على الطلب بثأر أبي أزيهر في قصيدة جاء فيها:
يا دوسُ إن أبا أُزيهر أصبحت … أصداؤه رهن المضيَّح فاقدحي
حَربا يشيب لها الوليد وإنما … يأتي الدنيّة كلُّ عبد نحنح
فابكي أخاك بكل أسمر ذابلٍ … وبكلّ أبيض كالعقيقة مُصفح
وبكل صافية الأديم كأنها … فتخاء كاسرةٌ، تدقُّ وتطمحُ