للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعارق الشاعر، ومرة بن عبد رضي، يريدون سواد بن قارب ليختبروا علمه. فلما قربوا من السراة قالوا: ليخبأ كل واحد منا خبيئا ولا يخبر به أصحابه، لنسأل سواد عنه، فإن أصاب عرفنا علمه، وإن أخطأ ارتحلنا عنه. فخبأ كل واحد منهم شيئًا، ثم ذهبوا إلى سواد وأهدوا إليه إبلا وطرفا من طرف الحيرة، فاستقبلهم أحسن استقبال ونصب لهم القباب، ونحر لهم النياق. فلما انتهت أيام الضيافة حضروا عنده، فتكلم برج بن مسهر وكان أسن أصحابه فقال:

جادك السحاب، وأمرع لك الجناب (١) وضفت عليك النعم الرغاب (٢) نحن أولو الآكال (٣) والحدائق والأغيال، والنعم الجفال (٤) ونحن أصهار الأملاك، وفرسان العراك. فقال سواد: والسماء والأرض، والغمر والبرض (٥) والقرض والغرض إنكم لأهل الهضاب الشم، والنخيل العم (٦) والصخور الصم، من أجا العيطاء، وسلمى ذات الرقبة السطعاء (٧). قالوا: صدقت. ثم سألوه عما خباؤه فأخبرهم بالأشياء المخبأة، وبما واجههم في طريقهم. فقالوا: صدقت وأنت أعلم من تحمل الأرض (٨) ثم ارتحلوا عنه بعد أن ظهر لهم أن ما قيل لهم عنه لا يساوي شيئًا مع سعة علمه وتبصره بالأمور فقال عارق الشاعر:

ألا للَّه علم لا يجارى … إلى الغايات في جنبي سواد

أتيناه نسائله امتحانا … ونحسب أن سيعمد بالعناد

فأبدى عن خفى مخبآت … فأضحى سرها للناس بادي

حسام لا يليق ولا يثأثي … عن القصد الميمم والسداد (٩)

كان خبيئنا لما انتجينا … بعينيه يصرح أو ينادي


(١) أمرع: أخصب.
(٢) الرغاب: الواسعة.
(٣) الآكال: الأرزاق.
(٤) الجفال: الكثيرة.
(٥) الغمر: الماء الكثير. البرض: الماء القليل.
(٦) العم: الطوال.
(٧) العيطاء والسعطاء: الطويلة.
(٨) الآلوسي - المصدر السابق - ص ٣٠٢.
(٩) يليق - يمسك - يثأثي - يحبس.

<<  <  ج: ص:  >  >>