للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برووسكم" (١). فغضب الغيهبان فقال: "البل اليوم مهي بإبلك يالغبره!! البل اليوم إبل الغيهبان" (٢).

وكان آل جابر الثلاثة إخوة ووالدتهم عجوز مسنة، فأخذ كل واحد منهم يشير على أخيه أن يمكث عند والدتهم ولا يذهب معهم في طلب الإبل، فطلب الأخوان الكبيران من أخيهما الصغير المكوث عند والدتهما لأنهم قد لا يعودان، فغضب وقال: "من يبقى أمه يقعد عندها. . . من هَمَّل أمه فلاني بالوصي" وسارت مثلا دارجًا عند آل مرة. فلحقوا الإبل وكانوا سبعة فرسان فقط، وخاضوا غمار المعركة فخرجوا منها ناجين بعد أن خلفوا خلفهم (جريرة) (٣)، ثم عادوا واخترقوا صفوف القوم للمرة الثانية وخرجوا من الجهة الأخرى وقد أكثروا من القتلى والعقاير، وفي المرة الثالثة عُقرت الخيل كلها عدا فرس العجمي وكان القوم قد دخلهم الرعب والوهن، ومنهم من عقرت فرسه ومن قتل عدا الذين أصيبوا أو فووا. فردها العجمي (فهابت) (٤) فرسه فما كان منه إلا أن (عممها) (٥) ثم أغار عليهم فعقرت فرسه هي الأخرى فقال: "اصبري على ما أصبرت عليه خيل يام" فأصبحت مقولة معروفة عند آل مرة ويام. وردوا الإبل ومنعوا الكثير من القوم. وكان حصان الغيهبان واقفًا فظنوه حيّا، فقال لهم الغيهبان: "روحوا صوبه" فلما أتوه وجدود قد طعن بثمانية رماح متخالفة فيه، من كل جهة أربعة، وقد ثبتته في الأرض ومنعته من الوقوع فأنشد الغيهبان:

ياللَّه يأملهم الطلبات يا ربي … يا رؤوف يا كاتب الحسنات يا والي

اليوم نهيا لنا كونٍ على طرف … ياليت حن عندها في طارف المالي

حلفت باللي ترجى الحجاج مغفرته … ما به غير السّبع في الإقفاء والإقبالي

شيربت بحوض المنايا ثم علّت به … شربت حثالة عقب ما شربت زلالي


(١) حنج برووسكم: أي لا يريدهم أن يفدوا بأنفسهم دون إبله فهم سبعة فرسان فقط، والقوم كثير.
(٢) الغبرة: كان سعيد بن شفيع في إحدى عينيه (غبرة) بياض في حبة العين، ولما كان الغيهان لم يتمالك نفسه فقد نعته بهذه الصفة: ولكنه ندم على ذلك وذكره في القصيدة.
(٣) جريرة: ما خلفوه خلفهم من الجنائز والعقائر من الخيل.
(٤) هابت: جفلت.
(٥) عممها: ربط على عينيها بقماش.

<<  <  ج: ص:  >  >>