للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان حزن أهل العمن شديدًا من الذين تضرروا بخراب السد، وتفرقهم في البلاد، حيث قال أحد روادهم وهو رجل من بني عمرو بن الغوث خرج لهم رائدًا إلى بلاد إخوتهم في همدان، فرأى بلادًا لا تقوم مراعيها بأهلها وبهم فأقبل آيبًا حتى وافاهم وقام منشدًا فقال:

تَرَكْنَا مأربَا وبه نَشَأنَا … وَقَدْ كُنا بِهَا فى حُسْنِ حَالِ

وَكُنَّا نَحْنُ نَسْكُنُ جَنَّتَيهَا … مُلُوكًا فَي الحَدائقِ والظِلالِ

فَوَسْوسَ رَبُّنَا عَمْرٌو مَقَالا … لكَاهِنهِ المُصِرِّ على الضَّلالِ

فَأَقْبَلنَا نَسُوقُ الخُورَ مِنْهَا … إلى أَرضِ المجَاعةِ والهُزَالِ

أَلا يا للرِّجَالِ لَقَدْ دُهيتم … بمُعَضلَةٍ ألا يا للرِّجالِ (١)

والقصيدة تفيض بالألم والحسرة، وهم يحملون مسؤولية نزوحهم عن أرضهم إلى سيدهم عمرو الذي سمع رأي الكهنة بخراب السد، وأعطى أمره بالرحيل؟ وكذلك قال الشاعر عبد اللَّه بن مالك بن نصر بن الأزد حول هجرة العرب خوفًا من انهيار سد مأرب في اليمن:

عَلامَ ارْتِحَالُ الحَيِّ من أرضِ مأرب … ومَأرب مأوَى كلِّ راضٍ وَعَاتِبِ

أإنْ قَالَ قولًا كَاهِنٌ لَمِلِيكِنَا … فَمَا هو فيمَا قَالَ أوَّل كَاذِبِ (٢)

وحول توزع العرب عامة وخزاعة خاصة التي توجهت إلى مكة وطردت جرهمًا منها بالقوة وحلت محلها ففي ذلك يقول جماعة البارقي:

حَلّتْ الأزْدُ بَعدَ مَأربهَا الغَّورَ … فَأرضُ الحجَازِ فالسَّرواتِ

واحْتَوَت منهم خُزاعَتها الكَعْبَةَ … ذَاتَ الرُّسومِ والآياتِ

أخْرَجَتْ جُرهمَ بنَ يَشجبَ مِنْهَا … عُنوةٌ بالكَتَائِب المعلمات

فَولاةُ الحَجيجِ مِنْهَا وَمنها … قُدوةٌ فِي منى وفي عَرفَاتِ

وإليها رفَادةُ البَيت والمرْبَاعِ … يُجْبَى لهَا من الغَاراتِ

نَحْنُ أهلُ الفَخَارِ من وَلَد الأزْد … وأهلُ الضِّياء والظُّلماتِ

هَل تَرى اليومَ فِي بَلادٍ سِوانَا … مِنْ مُلوكِ وسَادةٍ وَوُلاةِ؟ (٣)


(١) صفة جزيرة العرب/ ٣٢٧.
(٢) صفة جزيرة العرب/ ٣٢٨.
(٣) صفة جزيرة العرب/ ٣٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>