للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمرو بن هُميل، فذكر لعمرو بن جُنادة، فبينا هو بسوق مني لم يجد إلا رجلا قد أخذ بمنكبه ثم قال له: من أنت، قال: أنا رجل من بني لحيان من هذيل وأنا عمرو بن هُميل.

قال الخزاعي: مرحبًا بك، وقد ذكرت لي، وقد أحببت أن أكسوك ردائي هذا لبُرْدٍ له مَطْوِيٌّ جديد. ولا يريد الخُزاعي إلا أن يهجوه، قال اللحياني: أحسنت جزاك اللَّه خيرًا، فقد كنت أريد أن أشتري رداءً، ثم أخذ البرد، فجعله على منكبيه ثم رجع به إلى منزل أهله، فلما رأوه قالوا له: ما هذا الثوب يا عمرو بن هُميل؟ قال: هذا ثوب كسانيه رجل صالح لقيته. قالوا: ما اسمه؟ قال: زعم أنه عمرو بن جُنادة قالوا: ففي الخيبة سقطت! فذلك أفحش الناس وأموته على الشيء! أي أحرصه، يستميت على الشيء. قال: فماذا تأمرونني أن أفعل؟ قالوا: أطو هذا الثوب عندك حتى يعلم أنك قد أبليته، ثم تسمع! فواللَّه لتسمعن منه أذى! ففعل، فبينما هو قاعدٌ لم يفجأه إلا رجل يتغنى بهجائه فخرج عمرو بن هُميل بالبرد حتى جاء به ساحة الدار التي فيها عمرو بن جُنادة، فربطه بين شجرتين وترك الريح تضرب به، فأصبحوا فرأوا الثوب فقالوا له: هذا الثوب الذي كسوت عمرو بن هميل، واللَّه ليقطعنا وإياك بالهجاء، ولا واللَّه ما علا جلده حين أخذه!

فقال عمرو بن جُنادة:

فَلا واللَّه لا أكْسُو غُلامًا … دَعَا لحْيان يَوْمًا ما حَييتُ

وقَالُوا خَيْرنُا عَمْرٌو فَلمَّا … كَسَوْتُ الثَّوب خَيْرَهُمُ لُحيتُ (١)

لَقَدْ أسْرَفْتُ حين كَسَوتُ ثَوبِي … مَزَابِدَ بالحجَاز لها كَتيتُ (٢)

يَظلُّ رئيسُهُمْ بالسَّيْفِ صَلْتًا … إذا ما قيلَ قد ضَحِي الحَميتُ (٣)

ولقد رد عمرو بن هُميل ردًّا مقذعًا عليه ومن قصيدة له يقول فيها:

أَلَا مَنْ مبِلْغُ الكَعبيَّ عنِّي … رسُولًا أَصْلُهَا عِندِي ثَبيتُ (٤)


(١) لُحيتُ: وقع فيَّ، وهُجيتُ وشتمت.
(٢) مزابدُ: أسقية، ويقال: جرار، وجعل بطونهم بمنزلة الأسقية. ومِزْبَدٌ وهو الذي يمخض فيه اللبن والزبد، وسقاء أو جرة. وكتبت: غليان.
(٣) ضحي: أصابته الشمس. حَميتٌ: زق فيه زبد أو سمن. صلنا: قد شهره.
(٤) الكعبي: من بني كعب من خزاعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>