اختصه طاهر بن الحسين بن مصعب لمنادمته، واختاره لمسامرته، وكان لا يخرج في سفر إلا أخرجه معه، وجعله زميله وأنيسه وعديله، لحبه إياه وإعجابه بشخصه وكان طاهر من قادة الدولة العباسية في زمن الخليفة المأمون وكذلك ابنه عبد اللَّه ابن طاهر.
وأصله من حران، فبقي مع طاهر ثلاثين سنة لا يفارقه، وكان يستأذنه في الانصراف إلى أهله ووطنه فلا يأذن له ولا يسمح به، ولا يجيبه إلى ذلك، وجمع من الأموال حتى أصبح من أهل الثروة والغنى، فلما مات طاهر، ظن عوف أنه قد تخلص وأنه سيرجع إلى وطنه، ولكنه عبد اللَّه بن طاهر، قربه من نفسه وأنزله منزلته من أبيه، وكان عبد اللَّه أديبًا فاضلًا عالمًا بأخبار الناس، فلما وقف عبد اللَّه على أدب عوف وفضله تمسك به وأفضل عليه كثير ما له وحسن حاله، وتلطف بجهده أن يأذن له عبد اللَّه في العود إلى وطنه فلم يكن إلى ذلك سبيل، وحفزه الشوق إلى أهله، فاتفق أن خرج عبد اللَّه من بغداد يريد خُراسان، فصير عوفًا عديله يستمتع بمسامرته ويرتاح إلى محادثته إلى أن دنا من الري، فلما شارفها سمع صوت عندليب يغرد بأحسن تغريد وأشجى صوت، فأعجب عبد اللَّه بصوته والتفت إلى عوف بن محلم فقال له: يا ابن محلم هل سمعت قط أشجى من هذا الصوت وأطرب منه؟ فقال: لا واللَّه أيها الأمير وإنه لحسن الصوت شجيُّ النغمة مطرب التغريد فقال عبد اللَّه: قاتل اللَّه أبا كبير حيث يقول:
ألا يا حمامَ الأيك إلفُكَ حاضرٌ … وَغُصنُكَ مَيَّادٌ فَفِيمَ تَنوحُ
أَفِق لا تَنُحْ من غيرِ شيءٍ فإنَّني … بَكيتُ زَمَانًا والفؤادُ صَحِيحُ
فقال عوف: أحسن واللَّه أبو كبير وأجاد، ثم قال: أصلح اللَّه الأمير، إنه كان في الهذليين مائة وثلاثون شاعرًا ما فيهم إلا مفلق، وما كان فيهم مثل أبي كبير، فإنه يبدع في شعره، ويفهم آخر قوله أوله، وما شيء أبلغ في الشعر من الإبداع فيه.
= وهناك قد وقع خلط بين عوف بن محلم الشيباني وهو من أشراف العرب في الجاهلية، كان مطاعًا في قومه توفي سنة (٤٥ ق هـ). وبين عوف بن محلم الخزاعي الشاعر أبو المنهال والذي توفي سنة (٢٢٠ هـ) في زمن الدولة العباسية.