للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان ابن الحدادية أصاب دمًا في قوم من خُزاعة هو وناس من أهل بيته، فهربوا فنزلوا في فراس بن غنم، ثم لم يلبثوا أن أصابوا أيضًا منهم رجلًا، فهربوا ونزلوا في بجيلة على أسد بن كرز، فآواهم وأحسن إلى قيس وتحمل عنهم ما أصابوا في خزاعة وفي فراس، فقال قيس بن الحدادية يمدح أسد بن كرز:

لا تَعْذِليني سَلْمَى اليوِمَ وانتظري … أن يجمعَ اللَّهُ شَملًا طَالَمَا افْتَرَقَا

إنْ شَتَّتَ الدَّهْرُ شَمْلًا بَينَ جيرتكم … فَطَالَ في نعْمَةٍ يَا سَلمُ مَا اتَفَقَا

وَقَدْ حَلَلْنَا بِقَسْريٍّ أخي ثقَةٍ … كالْبَدرَ يَجْلو دُجَى الظلماء والأفُقَا

لا يَجْبُرُ النَّاسُ شيئًا هَاضَهُ أَسَدٌ … يَومًا لَا يَرتَقُونَ الدَهْرَ مَا فَتَقَا (١)

كَمْ مِن ثَنَاءٍ عَظِيمٍ قَدْ تَدَارَكَهُ … وَقَدْ تَفَاقَمَ فيهِ الأَمْرُ وانْخَرَقَا

قال صاحب الأغاني: هذه الأبيات من رواية أصحابنا الكوفيين، وغيرهم أنها مصنوعة، صنعها حمَّاد الراوية لخالد القسري (٢) في أيام ولايته، وأنشده إياه فوصله، والتوليد بيّن فيها جدًّا.

غزا الضريس القشيري بني ضاطر في جماعة من قومه، فثبتوا له وقاتلوه حتى هزموه، وانصرف ولم يفز بشيء من أموالهم، فقال قيس بن الحدادية في ذلك:

فدًى لبني قيسٍ وَأفْنَاءَ مَالكٍ … لدَى الشّمعِ مِن رِجْلي إلى الفَرقِ صَاعِدَا (٣)

غَداة أتَى قومُ الضَّريس كَأنَّهُمْ … قَطَا الكُدر من ودَّانَ أَصْبَحَ وَارِدَا (٤)

فَلَمْ أرَ جَمْعًا كانَ أَكرمَ غَاليًا … وأَحْمَى غُلامًا يَومَ ذَلكَ أطردَا (٥)

رَمَينَاهُمُ بالحوّ والكُمتِ والقَنَا … وَبيضٍ خِفَافٍ يَخْتَلِينَ السَوَاعِدَا (٦)


(١) هاض الشيء: كسره.
(٢) هو خالد بن عبد اللَّه بن يزيد بن أسد بن كرز البجلي ثم القسري، ولاه الوليد بن عبد الملك وتوفي سنة ١٢٦ هـ.
(٣) الشسع: أحد سيور النعل. والفرق: موضع المفرق من الرأس أي وسطه الذي يفرق فيه الشعر.
(٤) الكدر: موضع قرب المدينة، والكدري: ضرب من القطا. وودان: قرية بين مكة والمدينة، قرية من الجحفة.
(٥) وفي البيت سناد التأسيس، وهو عيب من عيوب القافية ولعلها "طاردًا".
(٦) الحو: جمع أحوى، وحواء وصف من الحوة: وهي حمرة إلى السواد، والكميت من الخيل يستوي فيه المذكر والمؤنث، وصف من الكمتة، وهي لون بين السواد والحمرة وجمعه كمت. يختلين السواعد: يقطعن ويذهبن بسواعد المضروبين بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>