للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكرهت أن يسمع بها ويفضحها، كما سمع بعزة، فقالت له: إنك رجل فقير لا مال لك فابتغ مالا يُعفي عليك، ثم تعال فاخطبني كما يخطب الكرام، قال لها: فاحلفي لي ووثقي أنك لا تتزوجين حتى أقدم عليك، فحلفت، ووثقت له، فمدح عبد الرحمن بن إبريق الأزدي، فخرج إليه، فلقيته ظباء سوانح ولقي غرابًا يفحص التراب بوجهه، فتطير من ذلك حتى قدم على حي من لهب (١) فقال: أيكم يزجر؟

فقالوا: كلنا فمن تريد؟

قال: أعلمكم بذاك.

قالوا: ذاك الشيخ المنحني الصلب، فأتاه فقص عليه القصة، فكره ذلك وقال له: قد توفيت أو تزوجت رجلًا من بني عمها فأنشأ يقول:

تيمَّمتُ لهبًا أبتغي العلمَ عنْدَهم … وَقَدْ رُدَّ علمُ العائفينَ إلى لهبِ

تَيمَّمتُ شيخًا منهمُ ذَا بَجالةٍ … بَصيِرًا بِزَجْرِ الطَير مُنْحَنَى الصُّلبِ (٢)

فَقُلتُ لَهُ مَاذا تَرَى في سَوانِحٍ … وَصَوتَ غُرابٍ يَفْحَصُ الوَجْهَ بالتُّرَبِ

فَقَالَ جَرى الطَّيرُ السَّنيح ببَيْنَها … وَقَالَ غُرابٌ جَدَّ مُنْهَمِرَ السَّكبِ

فَإِلا تَكُنْ مَاتتْ فَقَدْ حَال دُونَهَا … سِواكَ خَليلٌ باطنٌ من بَنِي كَعْبِ

فمدح الرجل الأزدي ثم أتاه فأصاب منه خيرًا كثيرًا، ثم قدم عليها فوجدها قد تزوجت رجلًا من بني كعب، فأخذه الهلاس (٣) فكشح (٤) جنباه بالنار، فلما اندمل (٥) من علته وضع يده على ظهره فإذا هو برقمتين فقال: ما هذا؟ قالوا له: إنه آخذك الهلاس وزعم الأطباء أنه لا علاج لك إلا الكشح بالنار فكشحت بالنار، فأنشأ يقول:

عَفَا اللَّهُ عَنْ أُمُّ الحُويرث ذَنْبَها … عَلامَّ تُعنِّيني وَتكمي (٦) دَوائيَا

فَلَو آذَنُوني قَبْلَ أن يرقُمَوا بِهَا … لَقُلْتُ لَهُمْ أُمُّ الحُوَيرث دَائِيَا


(١) لِهب: قبيلة من اليمن معروفة بالعيافة وزجر الطير.
(٢) ذا بجالة: يبجله الناس ويعظمونه.
(٣) الهلاس: داء بهزل الجسم أو هو السل.
(٤) الكشح: الكي بالنار.
(٥) أي تماثل للشفاء.
(٦) تكمي: تستر.

<<  <  ج: ص:  >  >>