للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجدُ المَلامَةَ في هَوَاك لَذيذَةً … حُبّا لذكْرِك فَلْيَلُمْني اللُوَّمُ (١)

أَشْبهت أعْدَائِي فَصِرْتُ أُحِبُّهُمْ … إذْ كَانَ حَظِّي مِنْكَ حَظِّي منهُمُ (٢)

وَأَهْنتنِيَ فأهَنْتُ نَفْسِي صَاغِرًا … مَا مَنْ يَهُونُ عَليكِ مِمَّنْ أُكرِمُ (٣)

انقطع أبو الشيص إلى عُقبة بن جعفر بن الأشعث الخزاعي وكان أميرًا على الرَّقة فمدحه بأكثر شعره، فقلما يروى له في غيره، وكان عُقبة جوادًا فأغناه عن غيره، ولأبي الشيص ابن يقال له عبد اللَّه شاعر أيضًا صالح الشعر، وكان منقطعًا إلى محمد بن طالب، فأخذ منه جامع شعر أبيه، ومن جهته خرج إلى الناس، وكان أبو الشيص سريع الهاجس جدًّا فيما ذكر عنه، ولأبي الشيص كغيره من الشعراء الرثاء والغزل والهجاء والمديح.

قال أبو الشيص: لما مدحت عقبة بن جعفر بقصيدتي التي أولها:

لا تَنْكري صدي ولا إعراضي … ليس المُقِلُّ عن الزمان بِراضِ

أمر بأن تعد وأعطاني لكل بيت ألف درهم (٤)، إذ قال:

أبقى الزمانُ به ندوب عضَاضَ … وَرَمَى سوادَ قُرونه بياضِ (٥)

نَفَرتْ به كأسُ النديم وأغمضتْ … عنه الكواعبُ أيَّما إغماضِ (٦)

ولربما جُعلتْ محاسن وجهه … لجفونها غَرضًا من الأغراضِ

حَسرَ المشيبُ قِناعه عن رأسهِ … فرميتَه بالصدِّ والإعراض

إثنان لا تصبو النساء إليهما … ذو شيبة وَمُحالف الإنفاضِ (٧)


(١) المعنى: أني أجد اللوم الذي يتضجر منه غيري لذيذًا في هواك لحبي لذكرك فليكثر اللائمون اللوم حتى تزداد اللذة.
(٢) أشبهت أعدائي: أي وافقت في معاملتي أعدائي. وقوله حظي منهم: يريد التشبيه.
والمعنى: وافقت أعدائي في معاملتك لي فأخذت فيما أكرهه، وأعرضت عما أحبه فصرت أحبهم لأن حظي منك فيما أرومه يماثل حظي من أعدائي.
(٣) المعنى: أردت ذلتي فذللت نفسي لك مصغرًا لها ولا كرامة لمن يهون عليك "حماسة أبي تمام ٢/ ١٤٣، ١٤٤".
(٤) الأغاني ١٦/ ٣١٩.
(٥) النَّدَبَة: أثر الجُرح الباقي على الجلد ج أنداب، وندوب.
(٦) والكعوب: نُهود ثدي الجارية، وجارية كعاب، وكعب الثدي، نهد.
(٧) نفض القوم: ذهب زادهم. أي لم يبق لديه شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>