والسمع له، كما كثر الدعَّار بمدينة السلام (بغداد) وظهر بها الفساد، وهذه المعارضة زادت عليه حنق الواثق وكاد له واعتقل أحمد بن نصر الخزاعي ورفاقه إثر إخبارية وردت عنهم بأنهم سيحركون الشعب بعد قرع الطبول في ليلة الخميس في شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين لثلاث خلون منه، وقرعت الطبول يوم الأربعاء وانكشف السر بفضل جماعة منهم ثملوا بفعل النبيذ (١) بعد أن خضعوا للتحقيق واعترفوا تحت وطأة العنف، وقيدوا جميعهم وزعيمهم الخزاعي بسلاسل الحديد.
وأعد الواثق لهم مجلسًا عامًا ليمتحنوا امتحانًا مكشوفًا، فحضر القوم واجتمعوا عنده، وكان أحمد بن أبي دؤاد متنفذًا لدى الواثق، فلما أتي بأحمد بن نصر لم يناظره الواثق في الشغب ولا فيما رفع عليه من إرادته الخروج عليه، ولكنه قال له: يا أحمد ما تقول في القرآن؟
قال أحمد بن نصر: كلام اللَّه، وأحمد "مستقتل قد تنور وتطيب".
قال الواثق: أفمخلوق هو؟
قال أحمد: هو كلام اللَّه.
قال الواثق: فما تقول في ربك، أتراه يوم القيامة؟
قال أحمد: يا أمير المؤمنين جاءت الآثار عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال:"ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته" فنحن على الخبر، قال: وحدثني سفيان بن عيينة بحديث يرفعه: "أن قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع اللَّه يقلبه". وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يدعو:"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" فقال له إسحاق بن إبراهيم: ويلك! انظر ماذا تقول!
قال الخزاعي: أنت أمرتني بذلك.
فأشفق إسحاق من كلامه وقال: أنا أمرتك بذلك!
قال الخزاعي: نعم أمرتني أن أنصح له إذ كان أمير المؤمنين، ومن نصيحتي له ألا يخالف حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.