للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَبْلِغْ عِقَالا أَنَّ غَايَةَ دَاحِسٍ … بِكَفَّيكَ فَاسْتَأخِرْ لَهَا أَوْ تَقَدَّم

وأضاف: قال أبو عمرو الشيباني: كان السبب في قول الجعدي هذه القصيدة أن المنتشر الباهلي خرج فأغار على اليمن، ثم رجع مظفرًا، فوجد بني جعدة قد قتلوا ابنًا له يقال له سَيْدَانُ، وكانت باهلة في بني كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ثم في بني جعدة، فلما أن علم المنتشر وأتاه الخبر أغار على بني جعدة، ثم على سُبَيْع في وجهه ذلك، فقتل منهم ثلاثة نفر، فلما فعل ذلك تَصدَّعت باهلة فلحقت فرقة منهم يقال لهم بنو وائل بعقال بن خويلد العقيلي، ولحقت فرقة أخرى يقال لهم بنو قتيبة وعليهم جَحْل الباهلي بيزيد بن عمرو بن الصعق الكلابي، فأجارهم يزيد، وأجار عقال واثلا، فلما رأت ذلك بنو جعدة أرادوا قتالهم، فقال لهم عقال: لا تقاتلوهم فقد أَجرْتُهم، فأما أحَدُ الثلاثة القتلى منكم فهو بالمقتول، وأما الآخران فعلى عقلهما، فقالوا: لا نقبل إلا القتال ولا نريد من وائل غيرا -يعني الدية- فقال: لا تفعلوا فقد أجرت القوم، فلم يزل بهم حتى قبلوا الدية، وانتقلت وائل إلى قومهم، فقال النابغة في ذلك قصيدته التي ذكر فيها عقالا.

من هنا يتضح أن قبيلة باهلة تصدع كيانها، وتفرقت بعد أن حدث بينها وبين جيرانها الأدنين -من بني كعب بن ربيعة، الذين انضمت إليهم- ما حدث، بسبب قتل ابن المنتشر، إذ انتقلت بعض فروعها بعيدة عن بلادها فحلت في بيشة وما حولها من الأودية، حيث نجد أن بني أمامة وهم من فروع قبيلة باهلة، كانوا سَدَنة ذي الخُلَصة، أشهر الأصنام في جنوب الجزيرة، والذي كان يعرف باسم كعبة اليمانية، وكان في تبالة البلدة المعروفة بمنطقة بيشَة.

ولما جاء الإسلام وفد أحد رؤساء باهلة الذين يسكنون في جهات بيشة، وهو مُطَرِّفُ بن الكاهن، وفد على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأسلم وأخذ لقومه أمانًا وكتابًا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيه أحكام الزكاة، وفيه نص صريح على سكنى الباهليين في تلك الجهة، وأن لهم منها ما ملكوه.

وليس معنى هذا أن الضعف قد تمكن من تلك القبيلة، حتى أزال مقوماتها وقضى على كيانها، وإنما كان سببًا من أسباب تفرقها مع احتفاظها بمقوماتها قبيلة متماسكة ذات بلاد خاصة، حتى جاء الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>