هذه العقبات حارسًا أمينًا على البلاد من جميع الجهات التي يأتيها الخطر منها، فظلت بعيدة عن سيطرة الفاتحين إلا لماما، فصمدت للهجمات صمودًا عجيبًا، وإن كانت استبيحت مرتين في العصر الحديث بسبب رداءة الدقاع عن حصونها الطبيعية أو بسبب وقوع الخيانة فيها: المرة الأولى حينما هاجمها "رديف باشا" في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي من عقبة الصماء واحتل أبها وحرملة وريدة، والمرة الأخرى بعد ذلك بنحو ثلاثين سنة حينما هاجمتها قوات تهامة المنضوية تحت لواء السيد "محمد بن علي الإدريسي" عام ١٩١٠ ميلادية عن طريق عقبة شعار.
ومنذ وصولي إلى أبها، وجهت همي إلى اكتشاف الطرق القريبة التي يمكن اجتياز السيارات منها إلى تهامة تسهيلا لمواصلات الجيش المحتشد في السراة وفي تهامة ولذلك جست خلال الديار وأنفذت المهندس إلى المواقع التي لم أتمكن من زيارتها بنفسي، ولكني كنت كناطح الصخرة تتحطم دونها جهوده، فإن جبال السراة تؤلف حاجزًا قويًا لا يمكن تخطيه إلا من فرجات معدودة يطلق عليها اسم العقبات، وهي بطبيعتها مبدأ واد منحدر من أعلى الهضبة إلى سفحها، ثم يمتد الوادي متغلغلا بين الجبال متعرجًا حول الآكام والربى، إلى ان ينتهي عند ساحل البحر في تهامة.
سأذكر الأودية المنحدرة من أعالي الجبال في بلاد قحطان وعسير إلى ساحل تهامة في القسم الخاص بتهامة بمثل الطريقة التي اتبعتها وما زلت أتبعها في سرد تفاصيل الأودية التي تصفي السفوح الشرقية لسلسلة السراة. وقد ذكرت في القسم الأول من الكتاب ثلاثة أودية منها -تربة ورنية وبيشة- وسأذكر في هذا القسم وادي تثليث، وأذكر في قسم نجران الواديين الآخرين نجران وحبونة. ولذلك سأكتفي هنا بذكر مبدأ الأودية في العقبات المشهورة.
ذكرت في النبذة السابقة أسماء ١٧ عقبة، وقد ذكر لي خبراء هذه البلاد عقبات أخرى غيرها، فبلغ مجموعها ٢٤ عقبة، لا أرى بأسًا من حصرها مع ذكر الجهات التي تصبّ فيها بتهامة: