فأجلسه المنصور على السماط، ثم جعل يحادثه بإقبال زائد وسأله عن ابنيه إبراهيم ومحمد فحلف عبد اللَّه بن الحسن أنه لا يدري أين صارا من أرض اللَّه. وصدق في ذلك، ثم ألح المنصور على عبد اللَّه في طلب ولديه. فغضب عبد اللَّه من ذلك وقال: واللَّه لو كانا تحت قدمي ما دللتك عليهما، فغضب المنصور وأمر بسجنه وأمر ببيع رقيقه وأمواله. فلبث في السجن ثلاث سنين.
ثم لم يكف هذا المنصور العباسي قطيعة الرحم مع بني عمومته من البيت الهاشمي بل تجاوز من ظلمه وتعسفه أن أمر بسجن جميع آل الحسن بدون جريمة اقترفوها وهم:
عبد اللَّه بن حسن، والحسن بن الحسن، ومحمد بن عبد اللَّه بن عثمان بن عفان أخوه لأمه، ومحمد بن إبراهيم بن الحسن، وإبراهيم بن الحسن، وعلي بن الحسن بن حسن، والحسن بن الحسن بن الحسن.
ثم نقلهم من سجنهم هذا إلى سجن آخر بالكوفة من أرض العراق.
وقد أركبهم في محامل ضيقة وعليهم القيود والأغلال، فاجتاز بهم المنصور وهو في هودجة.
فناداه عبد اللَّه بن الحسن: واللَّه يا أبا جعفر ما هكذا صنعنا بأسراكم يوم بدر (١).
فأخسأ ذلك المنصور وقفل عليه ونفر عنهم، وقد جعلهم المنصور في سجن لا يسمعون فيه أذانا ولا يعرفون فيه وقتًا للصلاة إلا بتلاوة أجزاء من القرآن كان يقرأها الحسن بن الحسن يعرف بهذا وقت الصلاة.
عقب ابن كثير على تعذيب آل الحسن ووفاتهم في سجن المنصور فقال: فعل المنصور ما يستحقه من عذاب اللَّه ولعنته.
(١) يقصد هنا عندما أسر جد المنصور -العباس عم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم بدر، وقد أحسن إليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وفك قيوده إكرامًا للرحم والقرابة، وقيل إن -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينم ليله كله لما كانت القيود في يد العباس ورجليه يأن منها ويتوجع فلما عرف الصحابة حال النبي أسرعوا بتحريره من قيوده وقدموا له الطعام والشراب.