لا أنعم اللَّه بك علينا، السياط يا غلام، قال فضربت -واللَّه- حتى غشي علي فما أدري بالضرب ثم رفعت السياط عني واستدعاني فقربت منه فقال أتدري ما هذا؟ هذا فيض فاض مني فأفرغت عليك منه سجلا، لم أستطع رده ومن ورائه واللَّه الموت أو تفتدي منه.
ثم إنه أطلقه على شرط أن يأتي بأخويه.
فذهب ولم يفعل وجعل المنصور العيون والجواسيس عليه، حتى مسكه مرة ثانية وسجنه، ثم أمر بضربه خمسمائة سوط فصبر عليها.
فقال المنصور لعيسى بن علي: عذرت أهل الباطل في صبرهم، ما بال هذا الغلام المنعم الذي لم تره الشمس، فكان رد موسى بن عبد اللَّه:
يا أمير المؤمنين، إذا صبر أهل الباطل على باطلهم فأهل الحق أولى.
انظر أخي القارئ لهذا الرد من هذا الفتى الذي لم يرهبه السلطان وتعذيبه في صموده على الحق الذي يعتقده.
وذلك الجواب المسكت من موسى الجون يدل على علو فهمه وإيمانه وثباته في الحق.
فازداد أبو جعفر غضبا وأمر جلاوزته بضربه. فلما فرغوا من ضربه أخرجوه فقال له الربيع وزير الخليفة: يا فتى قد كان بلغني أنك من نجباء أهلك وقد رأيت خلاف ما بلغني.
فقال له موسى: وماذاك؟
قال: رأيتك بين يدي عدوك تحب أن تبلغ في مكروهك وتزيد في مساءتك وأنت تماحكه في جلدك كأنك تصبر على جلد غيرك.