الأربش أبو تايه، وكلهم من الحويطات بجنوب الأردن، وبمغادرتهم المضارب بدأت رحلة مجهولة النتائج محفوفة بمخاطر عدة منها احتمال انكشاف أمر الرحلة من قبل قوات الشريف، ودسائس الواشين، والخوف من أن تصادفهم قي الطريق قوة من الإخوان المنتشرين في وسط الجزيرة العربية فتقضي عليه وعلى صحبه، ثم ماذا سيكون مصير كريم لو ساور الملك عبد العزيز شك في نواياه، ولكن الشيخ كريم بنى اليقين على ما يصله من أخبار وعلى دهائه وثبات عقيدته، وهو الذي امتطى صهوة جواده لقيادة جيوشه من نصر إلى آخر، على خلاف خصومه القابعين في بروجهم العاجية، وهو القائل بن البادية "يجيئوننا في السلم فنعطيهم كل ما يحتاجون إلية من كسوة ورزق ومال، ولكنهم في أيام الحرب لا يطلبون منا شيئًا، يتمنطق الواحد منهم بحزام بندقيته ويركب ذلوله إلى الحرب ومعه شيء من الماء والتمر القليل عندنا يقوم مقام الكثير عند غيرنا، كنا نمشي ثلاثة أيام بدون طعام، كان يأخذ الواحد منها تمرة من حين إلى حين يرطب بها فمه".
ويستحث الشيخ كريم وصحبه الخطى في مسيرتهم وكلهم نشوة وشوق عارم إلى مقابلة الملك ونسوا أن رواحلهم بحاجة إلى شيء من الراحة. وقطعوا المسافة من ديارهم إلى عرين الأسد (الرياض) في زمن لم يتجاوز خمسة وأربعين يومًا، وعندما لاحت لهم الرياض، موطن المجد، ازداد الشيخ ثقة بنفسه، وأصبح في مأمن من نفوذ الشريف وبيارق الإخوان. وأنها لمجازفة حقًا من الشيخ أن يأتي من أطراف جزيرة العرب الشمالية الغربية إلى أواسط نجد وهو غير معروف لدى الملك، وليس هناك معطيات لنجاح هذه الرحلة سوى نبل الهدف المقصود "مبايعة الملك" وتقديم الولاء والطاعة باسمه، ونيابة عن قبيلته بني عطية، لعظمته، والفوز بالانضمام إلى هذا الكيان الذي سوف يوحد جزيرة العرب تحت راية الإسلام، لم لا وجيوش الملك تجوب الجزيرة شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، متسلحة بالإيمان والعقيدة الراسخة والهدف السامي، وهو توحيد الجزيرة في كيان واحد وإخراج العرب من حالة التشرذم إلى قوة مهابة الجانب.