وعند وصول الركب إلى مناخ الملك، تم تسجيل المركبة حسب التقليد المتبع باسم الشيخ كريم بن عطية وحدد لهم موعد للسلام عليه. وقد اختلج في نفس الشيخ شعور بالهيبة من اللقاء الذي لم يبق دونه سوى سويعات قليلة، وبقى في سهاده تلك الليلة حتى ارتفع آذان الصباح مبددًا السكون ومعلنًا دخول صلاة الفجر، وعندما حان الوقت للسلام علي الملك تقدم الشيخ برجاله فاستقبله رجال الملك المسئولين عن شئون السلام واحتفوا به لا سيما عندما علموا أنه من شيوخ بني عطية الكبار وأنه قادم من تبوك الخاضعة لنفوذ شريف مكة والتي لم تصلها إلى حينه جيوش الدولة السعودية. وكبر في نظرهم هذا الشاب القادم من الشمال الغربي ليبايع وقبيلته (سلطان نجد) رغم أن دياره -وقتئذ- تحت سلطة حاكم آخر وأجلسوا الشيخ الذي أصبح متحفزًا لسماع النداء لمقابلة الملك. وفي هذه الأثناء طرق مسامعه ما كان ينتظره: تفضل يا كريم بن عطية، فنهض متقدمًا صحبه ودخل الصيوان ليرى الملك عبد العزيز ذا القامة الطويلة والهامة العالية منتصبًا لاستقباله وصحبه، فسلم عليه وعرفه بنفسه قائلًا:"يا مولاي كريم بن عطية أمير بني عطية، أتيت مبايعًا باسم قبيلتي" فالتفت إليه الملك قائلًا: "تكفل بني عطية يا كريم بن عطية؟ فأجاب في الحال: "نعم". وعندما جلس الملك جلس الحضور لتناول القهوة، انتهت المقابلة، ونزل الشيخ وصحبه ضيوفًا على الملك وبعد مضي يومين، تم إبلغ الشيخ بأن جلالته قبل المبايعة وأمر له ببيرق أسوة بأمراء القبائل الأخرى وبروة (١) عبارة عن ثمانية بنادق وأربعة سيوف وشرهة مالية. وعندما طلب الشيخ مقابلة الملك -رحمه الله، لاستئذانه بالرحيل وتوديعه، أخبره بأنه مربوط بالأمير عبد العزيز بن مساعد بن جلوي أمير حائل، نظرًا لقربها من تبوك فتقبل الشيخ ذلك بالسمع والطاعة.
وغادر الشيخ وصحبه الرياض قافلين إلى ديارهم وهم فرحين ومبتهجين بالعهد الجديد، وراية التوحيد (البيرق) ترفرف فوق رواحلهم، وهي كفيلة بتجنيبهم وقبيلتهم ويلات الحرب مع "الإخوان" وعندما اقترب الشيخ من مضارب بني عطية أخذ يتدبر الأمر لأن القبيلة والديار خاضعة لنفوذ الشريف
(١) البروة: هي تحويل لمال أو غيره وهي تصرف مرة واحدة.