للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والواقع أن ذلك الاختلاط كان له أثره البعيد في حياة الحضارمة إلى حد أن قال صاحب العبر أن أكثرهم ذهب واندرج باقيهم في كندة وصاروا في عدادهم (١). وقد تأثر الحضارمة بنظام كندة في الحكم أو خضعوا لهذا النظام فكان يحكمهم في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمراء الملقبون بالعباهلة الذين كانوا يقابلون التبابعة ملوك اليمن في علو الصيت ونباهة الذكر (٢). وكان هؤلاء العباهلة وائل بن حجر الذي ترك ملكه ونهض إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه ظهوره، فبثسر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدومه الناس قبل أن يقدم بثلاثة أيام. ومن المهم أن نلحظ أن السمعاني يضيف إلى وائل هذا النسبتين الحضرمي الكندي معا (٣).

ويبدو أن الحضارمة شهدوا فتح مصر. فقد ذكر ابن عبد الحكم أسماء من دخل منهم الفسطاط مع عمرو. ولا شك في قلة عددهم آنذاك، فإنهم لم ينفردوا بخطة مستقلة وإنما أقاموا مع أخوالهم في تجيب. وفي آخر خلافة عثمان ركب مائة منهم إليه واستأذنوه في المسير إلى مصر فأذن لهم. وبذلك زاد عددهم في مصر بحيث أصبحوا يستحقون خطة مستقلة فاختطوا شرقي سلهم والصدف حتى أصحروا وتحول إليهم من أراد التحول ممن كان منهم بتجيب (٤). وصاروا يرتبعون في ببا (من كورة البهنسا) (٥). وعين شمس وأتريب (٦).

ويبدو أن طبيعة بلاد حضرموت الفقيرة ترغم أبناءها على الهجرة سعيا وراء الرزق، ويضطرهم هذا بالتالي إلى اكتساب مزايا معينة كالمهارة والأمانة تكفل لهم النجاح في كفاحهم في البلاد الغريبة عليهم. وقد ظهر هذا بوضوح في حياة الحضارمة الذين أقاموا بمصر حيث كان لهم اعتبار خاص لدى أداة الحكم، فقد كتب معاوية إلى مسلمة بن مخلد والي مصر ينصحه - وربما يأمره - بأن يختار


(١) نهاية الأرب ص ١٩٧.
(٢) المصدر نفسه ص ١٩٧، Ency. Isl. II. p. ٢٠٧.
(٣) الأنساب ص ١٧٠ أ، ب.
(٤) فتوح مصر ص ١٢٣.
(٥) معجم البلدان ج ٢ ص ٥٣. الأرجح أنها كورة بنا التالية لكورتي عين شمس وأتريب.
(٦) فتوح مصر ص ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>