وقبل أن نناقش هذا الرأي نود أن نحدد معنى العروبة الذي هو حجر الزاوية في هذه القضية وعن طريقه يمكن أن نميط اللثام حول حقيقة انتساب العبابدة إلى العروبة من عدمه.
والعروبة تحددها ثلاثة عناصر:
أولها: النسب العربي أو الدماء العربية، أي أن تكون الجماعة أو القبيلة لها صلة نسب عربي اشتق قديمًا أو حديثًا من الجزيرة العربية ولو بطريق غير مباشر.
وثانيها: الديانة، وهي في هذه الحالة الإسلام الذي حمل رسالته النَّبِيّ العربي محمد بن عبد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانتشر على يد العرب وأتباعهم إلى سائر البلاد والأقطار.
وثالثها: اللغة العربية التي انتشرت بانتشار العرب واقتبستها وتأثرت بها شعوب كثيرة اتصلت بالعرب وصاهرتهم وأصبحت بذلك ركنا أساسيا من أركان العروبة (١).
وبناء على ما تقدم يمكننا القول بأن العبابدة من القبائل العربية التي امتزجت بالقبائل الأخرى فيمن حولها واحتفظت بنسب عربي، وأنها كانت ولا تزال تتحدث العربية وتدين بالإسلام. وعلى ذلك فالأركان الثلاثة للعروبة متوفرة فيها تمامًا.
ولست مع القول الذي أورده سليجمان وغيره بأن العبابدة فرع من البيجاه. فقد استندوا جميعًا على تجاور الأوطان واختلاطها لكل من العبابدة والبيجاه. وتشابه الشكل وادعاء اللغة المشتركة. ورغم وجاهة وأهمية هذين العنصرين فإننا نتساءل متى كان لتجاور السكنى أو حتى لتشابه الملامح أثر في ذلك؟ وإلا لأصبحت قبائل كثيرة متجاورة ومتشابهة الملامح من أصل واحد!.
ودليلنا في ذلك، على سبيل المثال، قبيلة أو بلدة وادي العرب التي عاشت مئات السنين - ولا تزال - في قلب أوطان النوبيين المتسعة الأرجاء ولم تأخذ
(١) محمد عوض محمد: الشعوب والسلالات الأفريقية. الدار المصرية للتأليف والترجمة. القاهرة، ١٩٦٥. ص ٣٠٨.