للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحتكم المشايخ والرؤساء في حل المنازعات إلى الأعراف والتقاليد وهي أعراف وتقاليد حفظوها على مر الأيام بحيث أصبحت متغلغلة في دمائهم. فمجلس التحكيم أو مجلس "الأجاويد" كما يطلق عليه أحيانًا يتكون من هؤلاء المشايخ والرؤساء وغالبا ما يكونون من كبار السن. ويمثل الطرفان المتنازعان أمام هذه المحكمة العلنية التي يحضرها رجال القبيلة من الطرفين المتنازعين ويعرض المتخاصمان كلّ على حدة قضيته أو وجهة نظره ثم يترك الحكم النهائي للمجلس الذي يصدر حكمه في نهاية الجلسة. ويتقبل الطرفان الحكم بصدر رحب ويصافح كلّ منهما الآخر إيذانا بانتهاء الخصومة وبداية صفحة جديدة. ولا يتم كتابة محضر صلح لأنَّ الصلح هنا قد جرى علانية وأمام جمع كبير من النّاس فيهم كبار السن وصغار السن وهم بمثابة شهود على ذلك. ويختتم الصلح بقراءة الفاتحة، فالنّاس هنا شديدو التدين.

وغالبا ما يكون الجزاء الموقع على المخطئ هنا هو دفع أعداد من الإبل، وفي أحيان كثيرة يتنازل صاحب الحق عن حقه بعد الإقرار به إكراما للمجلس والحاضرين فيزداد إكبارا بين أفراد القبيلة وتتوثق عرى المودة بين الطرفين المتخاصمين (١).

ومن الجدير بالذكر أن العبابدة قد تمسكوا بهذا التحكيم العرفي حتى وإن تفرقوا أو أقاموا في وسط سكان من غير العبابدة. وقد حرصت الحكومة على الإفادة من تماسكهم الاجتماعي فأقرت أن يكون لهم شيخ من بني جلدتهم ينضوي تحت لوائه كافة العبابدة الموزعين في البلدان المجاورة له القيام بهذه المهمة،


(١) لما كان للمشايخ في السودان دور كبير في حل المنازعات فقد صدرت بعد ذلك عدة تشريعات تمنحهم بعض السلطات على أفراد قبائلهم مثل قانون سلطات المشايخ الصادر في ١٢ يونيه سنة ١٩٢٢ والذي منح هؤلاء المشايخ سلطات قضائية محدودة وتتمثل في معاقبة رجال قبائلهم رفض خصوماتهم.
وفي عام ١٩٢٧ صدر قانون سلطات المشايخ الذي ألغى قانون سلطات المشايخ الأول (١٩٢٢). وقد جاء الأخير عامًا يشمل القبائل الزحل وغير الرحل، وبموجبه خول للحاكم العام تعيين محاكم المشايخ في أي مكان بالسودان. وأصبح مشايخ القبائل يمارسون سلطات قضائية واسعة. (انظر: إبراهيم محمد حاج موسى: التجربة الديمقراطية وتطور نظم الحكم في السودان. ص ١٣ - ١٤) انظر أيضًا: تقرير الحاكم العام السنوي لسنة ١٩٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>