للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي عام ١٨٤١ جرت تسوية لندن وفتحت بابا للتدخل الأجنبي في مصر وأيضا في السودان. ليس معنى ذلك أن محمد علي قبل هذا التاريخ كان لا يشجع قدوم التجار إلى البلاد الخاضعة ولكن بشكل منظم ومحكم حين كانت سيطرته الداخلية عليهم كاملة. أما في أعقاب ١٨٤١ فبدأ التسرب الأجنبي يزداد بشكل جلي ساعد على ذلك ظروف أوروبا الاقتصادية التي كانت تعيشها في ذلك الوقت، ونعني بها الانقلاب الصناعي في النصف الأول من القرن التاسع عشر، حيث بدأت أوروبا تشعر تدريجيا بحاجتها إلى مصادر جديدة للخام وأسواق خارجية أيضا لتصريف مصنوعاتها ذات الإنتاج الكبير، ووجدت في مصر بغيتها من حيث المناخ المعتدل والأرض الخصبة، والأهم من ذلك كله أن مصر بعد هذه التسوية أصبحت تطبق أو تسري فيها بنود أو معاهدات "الامتيازات الأجنبية".

وبالنسبة للسودان فقد عانى - تفريبا - نفس المعاناة التي نجمت عن هذه التسوية. فقد صدرت فرمانات: ١٣ فبراير ١٨٤١، ٢٣ مايو ١٨٤١، يونيه ١٨٤١ من لدن الدولة العثمانية إلى محمد علي، وهذا كله يعني ضرورة سريان المعاهدات والقوانين التي أبرمتها أو تبرمها الدولة العثمانية مع الدول، وسريان قوانينها التي سنتها أو تسنها في السودان ومنها الامتيازات الأجنبية. كذلك فقد شجع الأجانب على القدوم إلى السودان - عدا ذلك - فتح النيل الأبيض بفضل رحلات سليم قبودان في الفترة ما بين ١٨٣٩ - ١٨٤١. وإذا كان مجيء الأجانب في بادئ الأمر قد اقتصر على الرحالة والمستكشفين سواء مع جيش إسماعيل كامل أو في أعقابه، إلا أن التجار والمسافرين الذين جاسوا السودان والطرق الموصلة إليه بعد عام ١٨٤١ من خيار القوم بل كانوا - كما وصفهم القنصل الإنجليزي في مصر "كوهون Col.Quhoun" - من المغامرين الذين اقتصرت تجارتهم على الرقيق، تحميهم الامتيازات الأجنبية ويرعاهم القناصل (١).


(١) دفتر رقم ٤٩ صادر معية عربي، صورة المكاتبة العربية نمرة ٢٩ ص ١٢٨ بتاريخ ٥ محرم سنة ١٢٦٧ هـ. من المعية إلى مدير عموم قبلي. دار الوثائق القومية.

<<  <  ج: ص:  >  >>