للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسين باشا خليفة ألا يقرأه في بربر ولكن عندما وصل إلى بلدة المتمة قرأه أمام جميع الناس. فهل لم تبلغ غوردون منشورات المهدي التي أرسلها عقب سقوط الأُبَيّض؟ ألم يعرف أنه كان يدعو الناس في هذه المنشورات إلى إعلان الجهاد على الحكومة وأن من يعصيه في هذا الأمر يعتبر خائنا للدين فتصفى أملاكه وتؤسر نساؤه وأولاده ويصيرون عبيدا للمهدي؟. وإذا كان غوردون يرمي بذلك إلى الحصول على معاونة هذه القبائل حتى يتمكن من سحب الحاميات فكان بإمكانه أن يتفق معها حول ذلك ولكنه أضاع الفرصة إذ كيف يمكن أن تساعده هذه القبائل إذا كان هو قد أعلن إخلاء السودان؟، ومعنى ذلك أن تترك هذه القبائل لرحمة المهدي. وما كان يفعل المهدي لو أنه علم أنهم عاونوا غوردون على أن يسحب الحاميات (١)؟.

ولقد كانت هذه القبائل - حسب تعبير سلاطين - أعقل وأحصف مما حسبها غوردون. ولم تكن ثمة حاجة إلى رجل ذي مهارة خارقة تسحب الحاميات والذخائر على بواخر إلى بربر بحجة رفع الحصار عن المدينة وعندئذ تسحب جميع الحاميات أو معظمها ولكن كان ينبغي السرعة في هذا العمل ثم أنه لم يكن ممكنا بعد سقوط بربر في ١٩ مايو ١٨٨٤ كما سنرى.

وعلى كل حال فإن إذاعة منشور غوردون قد عجل بسير الأحوال إلى حد مزعج، فقد عرف الأهالي نية الحكومة في إخلاء السودان وصار كك منهم ينظر إلى مصالحه الخاصة التي صارت على خلاف مع مصالح الحكومة التي قلبها مواطنهم المهدي (٢).

وثمة خطأ آخر ارتكبه غوردون في بربر وهو إعلانه أن الأوامر الصادرة بمنع تجارة الرقيق قد ألغيت. فقد كان ذلك بمثابة توكيد آخر بأن الحكومة تعتزم إخلاء السودان. وقد أثار هذا الإعلان دهشة الناس وكان - لغرابته عليهم - أن الناس لم تصدقه في بادئ الأمر ثم إن هذا الإعلان قد ساعد على أن تزيد ثقة تجار الرقيق في أنفسهم وهم الذين قامت الثورة المهدية على أكتافهم (٣).


(١) سلاطين: السيف والنار في السودان. ص ١٢٧.
(٢) نفس المصدر. ص ٢٢٨.
(٣) نفس المصدر. ص ٣٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>