وفي ص ٢٤٧ ذكر نبذة عن المجاهد الكبير شهيد الإسلام والعروبة عمر المختار سليل قبيلة المنفة، حيث قال: ومَنْ من المسلمين والعرب لا يعرف هذه الشخصية العظيمة التي كانت رمزًا على الجهاد والوطنية والتضحية وإنكار الذات والعفة والمروءة واحتقار الماديات، وأخيرًا جاد بنفسه في سبيل الله تعالى والوطن الليبي.
فهو عمر بن المختار من بطن بريدان من قبيلة المنفة، ولد في البطنان قرب مدينة طبرق سنة ١٢٧٧ هـ من أبوين عربيين وكفلهُ أبوه وعنى بتربيته فنشأ في بيت عز وكرم بعيدًا عن أخلاق المدن ونقائصها، تحوطه شهامة العرب وحرية البادية، وحوله من مظاهر الفروسية ودواعي الاعتزار بالنفس ما بعث في تلك النفس الكبيرة حب التضحية والأنفة من الخضوع إلى من لم يجعل له دينه سلطانا عليه.
وإذ كان السيد عمر صبيا كان السيد محمد المهدي السنوسي - رحمه الله - تعالى صاحب الجاه العريض والسلطان النافع في برقة، وما كاد السيد عمر يبلغ السن التي تؤهله لحفظ القرآن حتى بعث به والده المختار إلى واحة الجغبوب ليقرأ القرآن وما تيسر من العلوم الدينية، فكان هذا دأب قبائل برقة في إرسال أولادهم للجغبوب إلى أن جاءت الحرب الطرابلسية وكان من حسن حظ السيد عمر أن كانت له المنزلة المشرفة عند السيد المهدي، فما كاد يتم حفظ القرآن ودراسة بعض العلوم حتى شاع ذكره، وتناولته الألسن بالثناء، واحترمه رؤساء القبائل في ليبيا، وبعد أن حفظ القرآن وأتم دراسته ولّاه السيد محمد المهدي شيخًا على زاوية القصور بالجبل الأخضر قرب المرج، فقام بتعليم أولاد المسلمين وإكرام من يأوي إلى تلك الزاوية من الفقراء وعابري السبيل وفض المنازعات بين قبائل العرب والسير في مصالحهم.
لقد أثبتت الأيام هذا الاختبار من السيد المهدي السنوسي أمورًا اقتضت سفره إلى السودان فكان أول من وقع عليه اختياره لمرافقته في هذا السفر الطويل الشاق (السيد عمر المختار)، وفي أواخر عام ١٣١٢ هـ وكان المختار محل ثقته ومعقد آماله حتى كان يقول:"لو كان عندنا عشرة رجال مثل عمر المختار لاكتفينا بهم"، وولّاه السيد المهدي في السودان شيخًا لزاوية (كلك) واستمر في السودان نائبًا عن السيد المهدي وقائمًا ببيت الدعاية الإسلامية إلى أن رجع إلى برقة سنة ١٢٢١ هـ وتولى شيخًا لزاوية القصور للمرة الثانية، واستمر يدير شئونها إلى سنة ١٢٢٩ هـ.