وفي زمن السيد المهدي السنوسي والد ملك ليبيا وبناء على أمره إلى قبيلة زويَّه لمحاربة الفرنسيين في السودان، وذلك بسبب تعديهم على زاوية السنوسية في كانم بالسودان ظلمًا وعدوانًا، وقد استشهد من جراء تلك المعارك عدد كبير من قبيلة زويّة لا يقل عن ثلاثمائة شهيد، وهذا الإخلاص وفقهم إلى أشياء كثيرة، ومعظم أبناء هذه القبيلة درسوا وتعلموا في الجغبوب والكُفرة وتخرج منهم علماء ومشايخ للزوايا السنوسية.
وأفراد هذه القبيلة يتصفون بالشجاعة والمروءة والكرم الذي هو عادة كل عربي حر، ولا شك أن هذه العادة تتصف بها جميع القبائل الليبية وهم مخلصون جميعهم لبلادهم، وكان سبب سكناهم في واحات الكُفرة الفتنة التي حصلت بينهم وبين السلطات التركية، وقد نشأ عنها حرب بينهم سنة ١٣٠٧ هـ السبب الذي أدى إلى صداقة متينة بينهم وبين سلاطين السودان، وقد أخذ الآخرون يبعثون لهم الهدايا من مئات الجمال، ومن حسن حظهم أيضًا أن رحل السيد المهدي السنوسي من الجغبوب إلى محل إقامتهم بالكُفرة، وبقدومه سلموا زمام أمرهم إليه قلبًا وقالبًا فكان لهم أبًا شفوقًا ونورًا يهتدون به وقد منحهم لقب الأنصار.
وقد عين من أعيانهم عشرة لحل جميع القضايا، ومن بين هؤلاء الأعضاء صالح العابدية وأبو بكر بوفويتين. وعندما جاء الإيطاليون إلى ليبيا وبعد احتلالهم واحات جالو تجمع أفراد قبيلة زويَّة بواحاتهم الكُفرة وبدأوا في مهاجمة الإيطاليين في جالو واشخرة حتى أن بعض المعارك المشهورة بالكوز شمال قرية إشخرة، وقد استشهد منهم عدد لا يقل عن أربعمائة شهيد، وتعتبر تلك المعركة من معارك برقة المشهورة التي تكبد فيها الإيطاليون عددًا من رجالهم يزيد على ألف قتيل، ثم استمروا بغزواتهم المتكررة على الإيطاليين في برقة التي احتلها الإيطاليون؛ وفي آخر الأمر قد أخذوا خبرًا بأن الإيطاليين قد عزموا على غزو بلادهم الكُفرة فتجمعوا هناك وأعدو عدتهم لمقابلة المعتدين.
وعندما زحف جيش الغدر والطغيان في قوة هائلة إلى الكُفرة تصدوا له للدفاع عن بلادهم، والمعروف أن الكُفرة صحراء مقفرة يصعب فيها على المحارب الاحتماء بشيء وقت الحرب، فإن كل هذه الصعوبات لم تمنعهم من أداء واجبهم المقدس، فقد واجهوا القوات الغاشمة الإيطالية بكل شجاعة وثبات، وقد استشهد منهم أناس كثيرون ومن بينهم زعماء مثل صالح العابدية وسليمان بومطاري وغيرهم من الأبطال.