ولم يتسرَّب الخبر إلى باقي المساعيد ولم يأخذ أي أحد منهم حذره، وقد تم قتل أربعة وأربعين رجلًا من كبار وشيوخ المساعيد الذين دخلوا المدينة دون أن يشعر الأمير سليمان ومن معه بهذا الغدر المبيت وهذا ما حدث بالفعل، فرأى رجل غزِّي تلك المكيدة وذلك الغدر فهاله الأمر واستاء فقال:"يا حسرتاه عليكي عرب لكي خاش أي داخل ولا لكي طالع"، وهنا يتحسر ويتلهف هذا الرجل على المساعيد فمن يدخل منهم المدينة لا يخرج لأنه يُقتل من عسكر المماليك، ويقال أن هذا الرجل كان مؤذنا فصعد على مأذنة أحد المساجد بغزة وأنذر الناس بتلك المكيدة، فتنبه المساعيد الباقين خارج البوابات للمدينة بعد فوات الأوان، أما الذين كانوا في السباق للخيول وعلى رأسهم الأمير سليمان المسعودي فلما حان موعد الغذاء تركوا خيولهم في خارج القصر المُعَدُّ لهم فيه الموائد وأخذوا سيوفهم معهم، فقال لهم الحاكم: هيَّا إلى الطعام؛ لأن الطعام يسبق الكلام، ويقصد أمر الصلح مع بني جَرْم، فلما جلسوا لم يقربوا المائدة إلا بعد أن يمد أميرهم يده فيها، فلما مدَّ الأمير سليمان المسعودي يده وأخذ لقمة فذاقها فلم يجد فيها ملح فعرف أن هناك غدرًا سيقع بهم في حضرة الوالي أو حاكم غزة وأنه نوى الغدر، والغدر من شيمة المماليك وعموم الأتراك ولا خير فيهم، فقال الأمير المسعودي صارخًا في رجاله: هيا اخرجوا من القصر على عَجَل قبل أن يفتك بكم السنجق الغادر، فخرجوا مسرعين نحو باب القصر مندفعين شاهرين سيوفهم، فلما همُّوا بركوب صهوات خيولهم في الخارج وجدوها مقطَّعة السروج، وكان الرجل منهم يضع قدمه على صهوة جواده أو فرسه فيقع من فوره على الأرض، وحينئذ داهمهم جنود المماليك على حين غرة فقتلوا أغلبهم، واستطاع بعضهم أن يمتطوا خيولهم أعراء وقد شقوا بحرابهم صفوف الجند وقاتلوا قتالًا مريرًا، وقد امتد القتال والمطاردة لهؤلاء الرجال وعلى رأسهم أميرهم المسعودي الذي أصابته الجراحات حتى وادي البها على نحو ١٦ كيلو مترًا جنوب شرق غزة، وطبعًا انتهى القتال غير المتكافئ بانتصار جند الحاكم وأصيب المساعيد بهزيمة فادحة قضت على خيرة فرسانهم، وقُتل فيها الأمير سليمان بن عمرو المسعودي في هذه المذبحة البشعة التي سميت بمذبحة غزة، وقد سقط هذا الفارس عند - تل - شرقي مدينة غزة عرف فيما بعد بتل المنطار وهو من النقاط المشهورة بظاهر غزة حتى الآن، وبعد