وحينما شاع أمر القصيدتين وذاع في أطراف الجزيرة تقدم أهل الحجاز أيضًا إلى شاعرهم: (العجلاني) فطلبوا منه أن ينظم قصيدة استسقائية لهم يدعو الله فيها لبلادهم بإنزال الغيث المغيث عليها، فقال على غرار زميليه السابقين:
رَبِّ إيَّاك نحنُ نَدْعُو ونرجو … ولنا أنْتَ ذا الجلال، الرجاءُ
فاستجب ربنا فإنك لا يُحْـ … ـجَبُ للسائلين عنك الدعاءُ
أسْقِّنا الغيث كيْ يُفارقنا المحْـ … ـلُ له والسُّنيهةُ الَّلأواءُ!
ويستعرض العجلاني الشاعر في قصيدته أمكنة الحجار المصابة بالظمأ الكارب والتي كانت منحت غيثًا غدقًا شاملًا مكانًا مكانًا حتى يقول:
طبَّق الضَّاحيات من أمَجَ الرّيُّ … وأحيت قُديدُها الفيحاءُ
فالكُليَّات فالستارة فالجحفة … فالقدس علَّ فالأبواءُ
وأمجٌ هو وادي ساية، وواديا ساية والستارة هما من أودية العرب المشهورة في ديار بني سُلَيْم قديمًا وحديثًا.
والقصائد الثلاث طوال واضحة المعاني سلسة المباني، وهن من بحر الخفيف وقافيتهن الهمزة، وأسلوبهن من السهل الممتنع، ولولا أن ثمة ما هو مماثل لهن في السلاسة والسهولة من الشعر العربي الثابت - ألَا وهو معلقة الحارث بن حلزة اليشكري - لجزمنا جزمًا باتًّا بأنهن من الشعر المنحول، يقول الحارث في معلقته:
وأتانا من الحوادث والأنبا … ءِ خطبٌ نُعنى به ونُساءُ
أنَّ إخوانتا الأراقم يغلُو … نَ علينا في قِيلهم إحفاءُ
يخلطون البريء منا بذي الذنب … ـب ولا ينفع الخليَّ الخلاءُ
زعموا أنَّ كلَّ من ضرب العيـ … ـرَ موالٍ لنا وأنَّا الولاءُ
أجمعوا أمرهم عِشاءً فلما … أصبحوا أصبحت لهم ضوضاءُ
منْ منادٍ ومِنْ مجيبٍ ومِنْ … تصهالِ خيلٍ خلال ذاك رُغاءُ
ولسنا نجزم بأن القصائد الثلاث لم يدخلها شيء من الشعر الإسلامي، ولكن إقرار الهمداني بها، وتدوينه لها ولناظميها وتزكيته لراويها (أبي الحسن الخُزاعي)