للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم سَوْقُهُ لها (١) واحدة بعد أخرى على طولها، مع أنه رجل مطَّلع واسع الاطلاع ونقَّاده عميق النقد كل ذلك يجعل في أيدينا دليلًا مقبولًا على صحتها، وما ورد فيها من تكرار الألفاظ والمعاني، ولزومِ الوزن الواحد والقافيةِ الواحدة لا يطعن في صحتها، لأننا نجد من أمثال كل ذلك في الشعر العربي الجاهلي الشيء الكثير.

وأهمية القصائد الثلاث - إذا ثبتت جاهليتها - أنها استعرضت أمكنة شبه جزيرة العرب بالتتبع والاستقصاء، وقد سجلتها في خفة وزن وجمال وانسجام.

على أن وجود معلقة الحارث بن حلزة اليشكري المتوفي نحو (٥٠ ق. هـ - ٥٧٠ م) (٢) ومماثلة هذه القصائد الثلاث لها في الوزن والقافية وسهولة الألفاظ، ووضوح المعاني، وتعداد الأمكنة - هو مما يُقوي مركز تلك القصائد ويدعمه.

وكما قلنا في مستهل هذا الفصل: فإن الشعر العربي الجاهلي حافل بذكر سُلَيْم وديارهم، لما لهما من مكانة بين القبائل العربية وبين ديارهم.

ومن أمثلة ذلك - وهي كُثْرٌ مشحونة بها المراجع - قول أبي قيس بن الأسلت من قصيدة ينهى فيها غَطَفان عن مناجزة الخزرج:

وإن تابوا فإن بني سُلَيْم … وإخوتهم هَوَازِنَ قد أنابوا

والشعر العربي إنما تتفجر أنهاره من ينابيع انفعالات الشاعر وعواطفه؛ فإن كان راضيًا مبتهجًا جاء شعره خميلة مدح بهيجة نضرة فواحة بالأزاهير، وإن كان الأمر بالعكس كانت نارًا تحرق وموجًا عارمًا يُغْرِق.

ومن أمثلة ذلك أنه في حالة رضا حسان بن ثابت شاعر الأنصار عن أحد بني سُلَيْم وهو "صالح بن علاط السُّلَمي" مدحه مدحًا مُصَفى جميلًا، ومدح معه قومه بني سُلَيْم مدحًا رائعًا عطرًا .. قال:

رُبَّ لَهوٍ شهدتهُ، أُمَّ عَمْرو! … بينَ بيضٍ نواعِم في الرباطِ

مع ندامى بيض الوجوهِ كِرامٍ … نبهوا بعد خفقةِ الأشراطِ


(١) ساق الهمداني ثلاث قصائد في كتابه (صفة جزيرة العرب).
(٢) الأعلام، للأستاذ خير الدين الزركلي، ص ١٥٥، الجزء الثاني، الطبعة الثالثة بمصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>