للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأثاية كان الغازي لهم (ابن ملاحظ) وقد لقَّبه الهمدانى: بـ (سلطان مكة) مع أنه أحد أمرائها من قبل بعض خلفاء بني العباس - ولعل إمْرَتَهُ لمكة كانت في أواخر القرن الثالث (١) وقد انتصروا على جيشه وقتلوا أصحابه وأسروه، فأقام عندهم وقتًا، ثم مَنَّوا عليه وخلوا سبيله (٢) و"الشَّرَفُ" - لُغَةً - من معانيه: المكان العالي، فلعل موضع المعركة كان شَرَفًا عاليًا في أثاية و"أثاية" بفتح الهمزة - عرفها لنا ياقوت في معجم البلدان بأنها: "موضع طريق الجحفة بينه وبين المدينة خمسة وعشرون فرسخًا" (٣).

و (أُثاية) وردت في (معجم ما استعجم) للبكري مضمومة الهمزة، ونَصَّ على ذلك بالتعريف الحرفي، وقد عرفها لنا البكري بقوله (في مادة الرويثة): (وهي بئر دون العَرْج بميلين عليها مسجدٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وبالأثاية أبيات وشجر أراك، وهناك ينتهي حد الحجاز، وهناك وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظبيَّ الحاقف - أي النائم المنحني في نومه - في ظلٍ، وفيه سهم، فقيل: إن رسول الله أمر رجلًا أن يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزه) (٤)

وهكذا اتضح لنا مكان المعركة، فإنها وقعت بقرب الْعَرْج الذي نزل فيه بنو حرب لأول مرة في هجرتهم الجماعية من صعدة باليمن إلى الشمال.

هذا، وقد أفادنا الهمداني بامتداد منازل حرب بين مكة والمدينة بعد هجرتهم الجماعية من اليمن، فقد ذكر له محمود - وهو أحد رؤسائهم أنهم نزلوا بقُدُس من الحجاز، وبها عَنَزة ومُزَيْنة وبنو الحارث وبنو مالك من سُلَيْم، وقد ناصبتهم عَنَزةُ الحرب، فأجلوا عَنَزة من قُدَس إلى الأعراض من خيبر بعد معركة ضارية، ثم ناصبتهم مُزَيْنَةُ الحربَ، وكانت أهل ثروة زهاء خمسة آلاف، فقتلوا من مُزَيْنة مقتلة عظيمة وأُجْلوا إلى الساحل من الجار - الْبُرَيْكَة - والصفراء، وأرض جُشَم من هوازن أخوة سُلَيْم فهم بها إلى اليوم - أي إلى يوم كتب الهمداني كتابه الإكليل، لا يدخلون الفُرْع إلا بجوار وذمامٍ من بني حرب وبقية سُلَيْم، فناصبتهم بنو الحارث


(١) راجع كتاب "جداول أمراء مكة وحكامها"، للشريف مساعد بن منصور، ص ١٦، طبع مكة.
(٢) الإكليل، للهمداني، ص ٣٠٧، الجزء الأول.
(٣) معجم البلدان، ص ١١٦ و ١١٧.
(٤) معجم ما استعجم، ص ٦٨٦، الجزء الثاني؛ وص ١٠٦، الجزء الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>