للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول علماء النفس من العرب: العِرق دسَّاس، أفتوى "ابن خلدون" الذي ينتمي إلى "حضرموت من عرب اليمن - اليمانية" وإلى وائل بن حجر من أقيال العرب، القحطاني الأرومة" (١) أفترى هذا العرق قد أثر في العقل الباطن لابن خلدون، فأوجد في نفسه (عقدة) سلبية عميقةَ الجذور على عرب بني سُلَيْم وبني هلال، الذين هم من أرومة قيسية وعدنانية .. فقد ظلت رحى الحروب الداخلية دائرة أمدًا مديدًا من الزمن بين النزارية والقحطانية في الإسلام، وكلان منها بادئ ذي بدء حرب كلامية عارمة، أدت إلى قيام حرب أو حروب حُسامية ضارية.

ولربما كانت هذه النظرية التحليلية لآراء ابن خلدون في بني سُلَيْم وبني هلال خاصة وفي العرب عامة هي مصدر تلك الآراء المضطربة لهذا الرجل العظيم في عقله وحنكته السياسية وفي علمه وفكره، ولم يسبق لي أن رأيت من طرق هذا الجانب بهذه الصراحة، ولا بهذا الوضوح.

وآراء ابن خلدون في عرب المغرب خاصة وفي العرب عامة هي آراء سلبية أو مضطربة، بقوله فيها فيما يتعلق بعرب بني سُلَيْم وعرب بني هلال بالمغرب: إنهم ما كانوا إلا مصدر عبث وفساد لحضارة المغرب الممثلة في ملوكه من البربر، ويتجاوز هذه النظرية الخاصة كعالم اجتماعي يقيس العام على الخاص فيصدر حكمه بأن العرب بدون استثناء إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب، وقد عقد فصلًا مستقلًا لدعم هذه النظرية في مقدمته الرائعة، ولكن - والحق يقال - إن الصواب جانبه في تقرير هذه القاعدة، كما ستراه واضحًا مبرهنًا عليه في غضون هذا الفصل ومنقوضًا من كلامه وآرائه بذاته.

وربما كان ابن خلدون كما يترآى لنا، موفقًا في بعض ما أصدره من قرارات ونظريات مبنية على تجاربه الخاصة في أفريقية الشمالية فقط، لأنه خبير بأحوالها الاجتماعية، دارس لشؤونها الإدارية والفكرية والاقتصادية والدينية والسياسية، وهو في تجاربه مع بني سُلَيْم وبني هلال يرى أنهم لا ينصاعون لسياسة دول أفريقية الشمالية، وقد رآهم يلتزمون المقام في خيامهم، وكل حاجتهم إلى الحجارة هو نصب أثافي القدور عليها، ولذلك لا غرو أن يقوموا بتقويض المباني القائمة


(١) التعريف بابن خلدون، لابن خلدون، ص ١ و ٢، طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>