وتخريبها، كما أنَّ كل حاجتهم للخشب منحصرة في إقامة الأعمدة لخيامهم منه وتشذيب الأوتاد لها، ولذلك تراهم يخربون سقوف الدور؛ لأن طبيعتهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران.
ومن طبائعهم - كما يرى ابن خلدون ويقرر - نهبُ ما في أيدي الناس، فكلما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع أو ماعون انتهبوه، فإذا تم اقتدارهم على ذلك بالتغلب والملك بطلت السياسة في حفظ أموال الناس وخَرِبَ العمرانُ.
وحينما استوت له هذه التجربة في أبعادها وكما يراها هو، (عمم) هذه النظرية - كباحث اجتماعي مؤسس لقواعد علم الاجتماع عممها على العرب جميعًا بدون استثناء، لقد خاط من الجزئيات قباءً شاملًا للكليات.
وقد نسي ابن خلدون أو تناسى، أن بني سُلَيْم وبني هلال، هم قوم طارئون على بلاد المغرب، طرأوا فيها في وقت كان سوس الفساد ينخر دولهم، وعصا التفرقة والتحاسد والتباغض والتنافس تبدد شمل مجتمعاتهم ودولهم، وقد دخلوا أرض المغرب لمهمة سياسية معينة فرضتها عليهم السلطة ونقلتهم إلى المغرب من مصر لأجهلها خاصة، وهي دق الإسفينات بين تلك الدول، وطارئون مثلهم كثار ذوو عُدَدٍ وأنَفة ما كانوا ليرضوا بالدُّون، وما كانوا ليقبلوا إلا أن يكونوا رؤساء لا مرؤوسين، ومطاعين لا مطيعين، وسادة لا مسودين. ودول المغرب من جافبها ما كانت تقبل بسيادة الطُّرَّاء، فهي تقاومهم بكل ما يملكون، من ألوان المقاومة ولا تدع لهم منفذًا أو متسربًا لإقامة كيان أو لراحة من متاعب، لقد غرسوا كل ما أمكنهم من الشوك في طريقهم، وقاموا هم من جانبهم باكتساح كل من يتعرض لهم أو من يشتمُّون منه رائحة التعرض، ثم هم مأمورون لانتهاج خطة معينة لتغيير معالم وأوضاع دول أفريقية الشمالية المتناحرة ليصفو الجو أو ليزيد تلبده، فإذا صفا الجو أو زاد تلبده بعد قيامهم بمهمتهم الأساسية كان الربح في كلتا الحالتين لدولة العبيديين أولًا ولهم ثانيًا، وهم قوم صارمون وعارمون، وقد أدرك المعز سجاياهم وخصائصهم وشدة مراسهم، وتصميمهم على تنفيذ خطط من بعثهم من المشرق إلى المغرب، فحاول مهادنتهم وتقدم لمصاهرتهم، ولابد أن هذا كان له بعض الأثر في أنفسهم، لولا عوامل أخرى خفية نفترض وجودها كما يفترض رجل العصر