للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسمع؟ (١) قال: الثلث الآخر، فإن الصلاة مشهودة مقبولة حتى تطلع الشمس، فإذا رأيتها طلعت حمراء كأنها الجحفة (٢) فأقصر عنها، فإنها تطلع بين قرني شيطان، فيصلي لها الكفار، فإذار ارتفعت قَيدَ رُمح أو رمحين فإن الصلاة مشهودة مقبولة حتى يساوي الرجل ظله، فأقصر عنها فإنها حينئذ تسجد جهنَّم، فإذا عاد الفئ فَصَلِّ، فإن الصلاة مشهودة مقبولة حتى تغرب الشمس، فإذا رأيتها تغرب حمراء كأنها الجحفة فأقْصِرْ .. ثم ذكر الوضوء فقال: إذا توضأت فغسلت يديك ووجهك، فإذا جلست كان ذلك لك طَهُورًا، وإن قمت فصليت وذكرت ربك بما هو أهله، انصرفت من صلاتك كهيئتك يوم ولدتك أمك من الخطايا) (٣).

وقد أورد ابن قُتَيْبَةُ قصة إسلام عمرو بن عبسة السُّلَمي بإيجاز، وقال عنه: (فلما قبُض النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سكن "عمرو" الشام بعده (٤)).

هذا، ويلمس القارئ من ثنايا حديث هذا الصحابيُّ السُّلَمي ذي السابقة في الإسلام، حَرَارةَ الصدق، وصفاءَ الضمير، وذكاء الفكر، وطُهْرَ الفطرة. وما رواه شهر بن حوشب عنه - فيما أراه - هو. تفصيل من عمرو بن عبسة نفسه لقصة إسلامه، ولمقدمة إسلامه.

وواضح تجرد هذه القصة الواقعية الجميلة من التصنع والتكلف والتنميق، هي منسجمة تمامًا مع واقعها، ومع صاحبها وبطلها، وهي تعبير صادق عن شعور نفسي عميق، وهي تجربة واقعية خاض غمارها عمرو - رضي الله عنه، فنجح باهر النجاح، وقد أدرك بفطرته السليمة أن ما كان عليه هو وقومه العرب من عبادة الأحجار وإشراكها بالله جل وعلا في العبادة هو أمر ناجم عن انطماس نور العقل وإرادة الفكر.

ويحدثنا محمد بن عمر الواقدي عن عمرو بن عبسة فيقول: "لما أسلم عمرو بن عبسة رجع إلى بلاد قومه بني سُلَيْم، وكان ينزل بصفة وجاذة وهي من أرض بني سُلَيْم، فلم يزل مقيمًا هناك حتى مضت بدر وأُحد والخندق والحديبية وخيبر، ثم قدم على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك المدينة (٥).


(١) يعني: أي الساعات يكون الدعاء فيها مستجابًا أكثر من غيرها؟
(٢) الجحفة: الترس.
(٣) الطبقات الكبرى، لابن سعد، ص ٢١٧، ٢١٨، الجزء الرابع.
(٤) المعارف، لابن قُتَيْبَةُ الدينوري، ص ١٢٦، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت.
(٥) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ص ٢١٤ - ٢١٩، المجلد الرابع.

<<  <  ج: ص:  >  >>