للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية عن شهر بن حوشب عن عمرو بن عبسة السُّلَمي، قال: رغبتُ (١) عن آلهة قومي في الجاهلية وذلك أنَّها باطل، فلقيت رَجُلًا من الكتاب من أهل تيماء، فقلتُ: إني امرؤ ممن يعبد الحجارة، فينزل الحَيُّ ليس معهم إله، فيخرج الرجل منهم فيأتي بأربعة أحجار، فينصب ثلاثة لِقِدْرِهِ، ويجعل أحسنها إلَها يعبده، ثم لعله يجد ما هو أحسن منه قبل أن يرتحل فيتركه، ويأخذ غيره إذا نزل منزلًا سواه. فرأيت أنه إله باطل لا ينفع ولا يضر، فَدُلَّنِي على خير من هذا.

فقال (الرجل التيماوي) لعمرو بن عبسة السُّلَمي: يخرج من مكة رجل يرغب عن آلهة قَومه ويدعو إلى غيرها، فإذا رأيت ذلك فاتبعه، فإنه يأتي بأفضل الدين. قال عمرو بن عبسة: فلم تكن لي همة منذ قال لي ذلك إلَّا مكة، فآتي فأسأل: هل حدث فيها حَدَثٌ؟ فيقال: لا. ثم قَدِمْتُ مُرّة فسألت: فقالوا: حدث فيها رجل يرغب عن آلهة قومه ويدعو إلى غيرها، فرجعت إلى أهلي، فشددت راحلتي برحلها، ثم قدمت منزلي الذي كنت أنزله بمكة، فسألت عنه فوجدته مستخفيًا، ووجدت قريشًا عليه أشداء (٢) فتلطفتُ حتى دخلت عليه، فسألته، فقلت: أيُّ شيء أنت؟ قال: نبيٌّ. قلت: ومن أرسلك؟ قال: الله. قلت: وبما أرسلك؟ قال: بعبادة الله وحده لا شريك له، وبحقن الدماء، وبكسر الأوثان، وصلة الرحم، وأمان السبيل. فقلت: نِعْمَ ما أُرْسِلْتَ به، وقد آمنتُ بك وصدقتك، أتَأْمرني أمكث معك أو أنصرف؟ فقال: ألا ترى كراهة النّاس ما جئتُ به؟ فلا تستطيع أن تمكث، كن في أهلك، فإذا سَمِعْتَ بي قد خرجتُ مخرجًا فاتبعني. فمكثتُ في أهلي حتى إذا خرج إلى المدينة، سِرْتُ إليه فقدمت المدينة، فقلت: يا نبيَّ الله أتعرفني؟ قال: نعم أنت السُّلَمي الذي أتيتني بمكة، فسألتني عن كذا وكذا، فقلت لك كذا وكذا. فاغتنمتُ ذلك المجلس، وعلمتُ أن لا يكون الدهر أفرغَ قلبًا لي منه في ذلك المجلس، فقلت: يا نبي الله أي الساعات


(١) معنى: رغبت عن هذا: كرهته؛ وذلك أن صيغة (رغب) ذات معنيين متضادين، والذي يحدد لها معناها من المعنيين المتضاديين هو حرفا الجر: (في) و (عن) .. فإذا كان المراد هو (الحب) فتأتي بعدها به (في) فتقول: (رغبت في هذا) أي أحبته. وإذا كان المقصود هو (الكره) فتأتي بعدها بـ (عن) فتقول: (رغبت عن هذا) أي كرهته.
(٢) في الاستيعاب لابن عبد البر: (إليّا عليه)، ص ١١٩٤. الجزء الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>