للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القنا والدروع على الخيل، وكان إسلامه قبل فتح مكة بيسير من الزمن، وكان ممن حرَّم الخمر في الجاهلية، وهو شاعر معروف. وكان لقاؤه للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يسير حين هبط "المشلل" وبنو سُلَيْم في آلة الحرب، والحديد ظاهر عليهم، والخيل تنازعهم الأعنة، فصفُّوا لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وإلى جنبه أبو بكر وعمر، وكانت رايتهم حمراء (١) فقال الرسول: يا عُيينة هذه بنو سُلَيْم قد حضرت بما ترى من العدة والعدد. فقال عُيينة: يا رسول الله جاءهم داعيك ولم يأتني. ثم حدث بينه وبين العباس بن مِرْدَاس كلام شديد، ورد بعضهما على بعضٍ فأومأ إليهما النَّبِيّ بيده حتى سكتا، وأعطى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العباس بن مِرْدَاس مع من أعطى من المؤلفة قلوبهم وكان ما أعطاه إياه هو أربعين من الإبل، فعاتب النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شعر قاله منه:

فأصبح نَهْبي ونَهْب العبيد (٢) … بين عُيينة والأَقْرَعِ

إلَّا أفَائلَ أُعْطيِّتُها … عَديْدٌ قوائمها الأربع

وما كان حِصْنٌ ولا حَابس … يفوقان مِرْداس في المُجْمَع

وقد كنتُ في الحرب ذا تدرأٍ … فلم أُعْطَ شيئًا ولم أمنع

وما كنْتُ دون امرئ منهما … ومن تَخْفِضِ اليوم لا يُرْفَع (٤)

فرفع أبو بكر أبياته إلى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال النَّبِيّ للعباس: أرأيت قولك:

أصبح نَهْبِي ونَهْب العبيد بين الأقرع وعُيينة

فقال أبو بكر: بأبي وأمي يا رسول الله: ليس هكذا قال. فقال النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف؟ فأنشده أبو بكر كما قال عباس، فقال النَّبِيّ: (سواء، ما يضرك بدأت بالأقرع أم بعيينة)، فقال أبو بكر: بأبي أنت، ما أنت بشاعر ولا راوية ولا ينبغي لك. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اقطعوا عني لسانه: (لسان عباس بن مِرْدَاس) ففزع منه أناس، وقالوا: أمر بعباس يُمثَّل به!، فأعطاه مائة من الإبل، وقيل: خمسين من


(١) لعل من المناسب هنا ذكر ألوان بعض الرايات في العهد النبوي، كانت رايته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سوداء مربعة من صوف أسود وكان لواؤه أبيض مكتوبًا عليه: (لا إله إلَّا الله محمد رسول الله)، واسم رايته العقاب، وكانت راية الأنصار التي عقدها لهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفراء. وفي غزوة فتح مكة وافق على أن يكون لواء بني سُلَيْم أحمر (راجع كتاب التراتيب الإدارية للسيد عبد الحي الكتاني ص ٣٢١ - ٣٢٣ الجزء الأول: طبع بيروت).
(٢) العبيد (بضم العين المهملة) اسم فرس العباس بن مِرْدَاس.

<<  <  ج: ص:  >  >>