للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المستعمرين الغرباء عن بلادنا في مختلف الأرجاء. وحقًّا، فقد كانت القبائل العربية وستظل حصنًا وملاذًا في الظروف الحالكة التي مرت بها أمتنا، كما كانت دومًا ينبوعًا وكنزًا ثمينًا يمد المقاومة العربية ضد حملات الغزاة بموجات وموجات من الرجال والأبطال، الذين اقتحموا غمرات الوغى بعزم صادق على أمل النصر أو الشهادة، وقد سقط الآلاف بل الملايين من أبناء العرب في هذين القرنين الأخيرين. فما بالنا في القرون الأولى فلن نحصر آلاف الشهداء العرب الأبرار الذين روت دماؤهم ثرى بلادنا الطهور، وقد سقطوا في ساحة الشرف والجهاد والحق، ذودًا عن الكرامة العربية وذودًا عن أهليهم وديارهم، ورغم بعض التناحر القَبَلي الذي كان فى جهات عديدة من بلادنا العربية وفي أزمان مختلفة، إلَّا أن هذا الشيء لَمْ يَفُت في عضد الأمة العربية في مجموعها وفي شكلها العام كأمة راسخة البنيان قوية الأركان، فالعربي من أقوى وأشد المتعصبين لأبناء قومه وجلدته، لا يقبل ولا ينام على ضيم حل بهم من أي جنس، ونجد أن الحمية والنخوة العربية تجري في عروق أي عربي مجرى الدم، فهذه فطرة فطرها الله لنا وجُبلنا عليها ونراها تترجم دائمًا بصورة تلقائية إلى طاقة هائلة وشحنة متقدة من هبتنا لحماية الذمار والديار العربية في أي وقت، ولا يأبه العربي باي خلاف جانبي عارض مع إخوانه الآخرين سواء عشيرة أم قبيلة أم حتى شعب بأكمله!، هذه المبادئ وتلك الصفات التي تغلب على طابعنا نحن العرب، وما أجملها من صفات، فحيَّا الله العرب على مر الزمان، وعاش كلّ من رفع لمجد وعزة العرب الرايات، وعروبتنا المجيدة - بعون الله تعالى - لن ينطفئ نجمها ولن يخمد ذكرها بين الأمم، ما دام أبناؤها البررة المصلحون يتحلون بالحق والإخلاص والجهاد في شتى الميادين. فلنضع نصب أعيننا تاريخ وأمجاد أجدادنا البهرام ليكونوا لنا قدوة، بهم نقتدي، وبمبادئهم نحتذي، وعلى عهدهم نسير، وعلى نهجهم نخطو في حاضرنا المشرق بالأمل والخير، ومستقبلنا الزاهر إن شاء الله، ونحمد الله .. فأُمتنا العربية ذاخرة دائمًا في كلّ العصور بالقادة والمصلحين والعلماء المفكرين والرجال المخلصين الذين يجعلون سائر الأمم يشيرون للعرب بالبنان ويعطونهم حقهم من التقدير والاحترام.

المؤلف

محمد سليمان الطيب

القاهرة "مصر العربية"

<<  <  ج: ص:  >  >>