للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهولٌ كَرِيةٌ، ليله كنهاره … وسَيْرٌ حثيثٌ للرِّكاب دؤوب

فما الداء إلا أن تكون بغربة … وحسبك داءً، أن يُقال "غريب "!

فياليت شعري هل أبيِتَنَّ ليلة … بأكناف نهر الثَّلْج حين يصوب

وحَوليَ شيِخانٌ، وبِنتِي وأمُّها … ومَعْشَرُ أهلي، والرءوف مجيب

والمتأمل في هذه القصيدة تلوح له بين ثناياها روحُ "حب الوطن" الغامرة، كما يلوح له منها أن الشاعر كان قد استأنس في بعض أبياتها ومعانيها بقول بلال بن رباح حين ألمت به الحُمى في المدينة، أثناء هجرته إليها:

ألا ليت شعري هل أبينَّ ليلة … بِوَادٍ وحولي ادخِرٌ وجَليِلُ؟

و "بعض الأبيات" التي تطل من قريب على هذا البيت لبلال هي قول عبد الملك:

فيا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلة … بأكناف نهرالثلج حين يصوب؟

وحولي شيِخَان وبنتي وأمُّها … ومَعْشَرُ أهلي، والرءوف مجيب

كما يلوح للمتأمل في قصيدة عبد الملك أنه قد نسي دفعة واحدة أنه في الأصل من أهل الحجاز، وأن أسلافه من "بني مرداس" وجده "العباس بن مرداس" كانوا يستوطنون بهذا الحجاز الذي أصبح حفيدُهم (عبد الملك) يتبرَّم من المكث فيه لشوقه العارم إلى وطنه الجديد" الأندلس" الذي تطفح عليه ذكرياته المتلامعة النضرة، فيقول عن نفسه:

بليت وأبلاني اغترابي ونأيُهُ … وطول مقامي بالحجاز أجوب

فما الداء إلا أن تكون بغربة … وحمسبك داءً أن يقال: غريب

وهكذا نرى ابن حبيب يتمثل فيه تمامًا قول ابن الرومي:

وحَبَّب أوطان الرجال إليهمُ … مآربُ قضَّاها الشبابُ هنالكا

إذا ذكروا أوطانهم ذكَّرتهم … عهود الصبا فيها، فَحَنُّوا لذلكا

ونموذج من نثره

بلغ عبد الملك بنَ حبيب تحامُلُ الفقهاء عليه وحَسَدُهم له، فَشَقَّ عليه ذلك،

<<  <  ج: ص:  >  >>