للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان مرداس من سادة العرب، ومن سادة سُلَيم وفرسانها وأثريائها، وقد اشترك مع حرب بن أمية القُرشي في "الْقُرَيَّة"، وهي غيضة شجر ملتف لا يُرام، قيل: إنهما مَرَّا بها يومًا، فقال مِرداس لحرب: أما ترى هذا الموضع؟، قال: بلى!، قال: نِعمَ الْمُزْدَرعُ هو، فهَل لك أن تكون شريكي فيه، ونحرق هذه الغيضة ثم نزدرعه بعد ذلك؟ قال: نعم، فأضرما النار في الغيضة، فلما استطارت النار وعلا فيها لَهَبٌ سُمع فيها أنين وضجيج كثير، ثم ظهرت منها حياتٌ بيضٌ تطير حتى قطعتها وخرجت منها، ولم يلبث مرداس وحرب أنْ ماتا. وينسبون موت مرداس إلى الجن - ربما لأنه هو صاحب الفكرة التي أشار على حرب بن أمية لازدراع الغيضة وبإشعال النار فيها حتى ظهرت منها الحيات البيضُ وطارت هاربة منها - ودفُن مرداس بن أبي عامر بالقُرَيَّة التي استصلحها واردرعها، ثم ادعاها بعد ذلك كُلَيْبَ بن أبي عهمة السُّلَمي ثم الظَفري، وقد طالبَ العباس بن مرداس بحقه في (القرية)، وقال قصيدته النونية يُخاطب بها كُلَيبًا ويهجوه ويحذره من مغبة الظلم .. وكان كُلَيب السُّلَمي هذا قد جحد بني مرداس حصتهم من (القرية) التي عمرها أبوهم مرداس مع حرب بن أمية، قال عباس يُخاطب كُلَيبًا:

أكُلَيْبُ! ما لك كُلَّ يوم ظالمًا … والظلم أنكد وجهه الملعونُ

قد كان قومك يحسبونك سيدًا … وإخال أنك سيَدٌ معيونُ

فإذا رجعت إلى نسائك فادَّهِنْ … إن المسالم رَأسُهُ مدهونُ

وافعل بقومك ما أراد بوائل … يو الغدير سَميُّكَ المطعونُ

وإخال أنك سوف تلقى مثلها … في صفحتيك سنانها المسنونُ

إن (الْقُرَيَّة) قد تَبَيَّنَ أمرُها … إن كان ينفع عندك التَبيِينُ

حيث انطلقت تخطُّها لي ظالِمًا … وأبو يزيد بجوها مدفونُ

و"أبو يزيد" في البيت الأخير هو والد عباس بن مرداس.

وهكذا ترى عباسًا يهدد كليبًا السُّلَمي تهديدًا مباشرًا، مما يدل على أن هذا الشعر قاله في الجاهلية قبل أن يسلم ويحسن إسلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>