ولمرداس هذا بيتان في حادث تعميره (القُرَيَّة) التي لا نستطيع تحديد موقعها بالدقة الآن، وربما تسعفنا بها المصادر فيما بعدُ - هو وحرب بن أمية شريكه في هذه الشركة الاقتصادية المساهمة، يقول:
إني انتخبتُ لها حربًا وإخوته … إني بحبل وثيق العقد دساسُ
إني أقَوِّمُ قبل الأمر حجته … كيما يقال: وليَّ الأمر مِرْدَاس (١)
وفي هذين البيتين عدة فوائد، منها مرداسًا هو الذي دفع حربًا إلى العمل معه في زراعة الغيضة التي آضت مكانًا صالحًا للزراعة فسُميت (القُرَيَّة) وعُرفت بهذا الاسم، ومنها أن مِرْدَاس بن أبي عامر قد احتاط لأمر نجاح الشركة والعدل فيها فأشرك مع حرب إخوته، ولم يكتف بذلك بل أبرم بينه وبينهم عقدًا ربما كان مكتوبًا، ولذلك قال: إنه يُقَوِّمُ للأمر حجته وبرهانه قبل مباشرته، ليقال: إن وليَّ هذا الأمر الناجح وهذه الشركة الناجحة هو مِرْدَاس الحصيف الذي لا يمكن أن يُخْدَعَ أو يُغَرر به.
ولعباس بن مِرْدَاس ترجمة في كتاب "معجم الشعراء" للمرزباني، وقال عنه: يكنى أبا الهيثم، ويقال: أبو الفضل، وأضاف أنه "أحد فرسان الجاهلية وشعرائهم المذكورين وفد على النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومدحه، فأسلم، فأعطاه مع المؤلفة قلوبهم" وقال عنه وهو القائل:
أشُدُّ على الكتيبة لا أبالي … أحتفي كان فيها أم سواها
وهذا البيت من جملة أبيات قالها موجهًا "الإنذار" فيها إلى خصمه ومنافسه خُفاف) وهي:
ألا من مُبْلِغٌ عني خُفافًا … ألُوكًا بيت أهلك منتهاها
أنا الرجل الذي حُدِّثْتُ عنه … إذا الخَفَراتُ لَمْ تَسْتُرْ بُراها
أَشُدُّ على الكتيبة لا أبالي … أَحْتْفي كان فيها أم سواها
(١) مقدمة ديوان العباس بن مِرْدَاس السُّلَمي - للدكتور يحيى الجبوري نقلًا عن مصادره، ص ١ و ٢ و ١٠٨، طبعة بغداد.