الكلبي المجاهد السريَّ الكريم والشاعر الفحل، وقد حمل عليه أبو الخطَّار حيال تنكيله به في نفسه، فأرسل - سِرًّا - قصيدته السياسية المثيرة العنيفة إلى الخليفة هشام، فلما قرئت عليه استشاط غضبًا على عبيدة وعزله عن ولاية أفريقية وَوَليَّ مكانه أحدَ الموالي مما سيأتي تفصيله، ونحن نعلم ما كان قد حدث بين قيس - ومنهم بنو سُلَيْم معشر عبيدة - وبني كلب من قتال ضارٍ في "مرج راهط" وعقابيل ذلك، ولعلَّ هذه الحرب الضروس التي انهزمت فيها قيس ووقعت فيها مقتلة عظيمة منهم، كانت السرَّ الدفين وراء حرد عبيدة على أبي الخطَّار، ونحن نعلم أيضًا مكانة بني كلب في الدولة الأموية منذ تزوج معاوية ابنتهم ميسون وأولدها يزيد بن معاوية، ومنذ ناصروا الأمويين وأيدوا خلافتهم ضد عبد الله بن الزبير، وضد أشياعه الكثر في الشام حتى وضعوا في يد الأمويين صولجان الخلافة أو الملك، فلا غرو أن يأخذ هشام - وهو ابن عبد الملك - الخليفة أو الملك الذي ساعدته بنو كلب بإصرار على تولية الحكم ومشت في ركابه حتى آخر الشوط ضد خصمه الأَلدِّ في مكة: عبد الله بن الزبير، وضد مناصريه القروم من قيس ومنهم بنو سُلَيْم، لا غرو أن يأخذ بناصر أبي الخطَّار الكلبي فيستشيط غضبًا للإهانة التي لحقته فيعزل الوالي السُّلَمي الجريء المتهور: عبيدة أو عبيد بن عبد الرَّحمن الذي تجاوز حده، فقسا على أبي الخطَّار الكلبي.
بعد هذه المقدمة، ها نحن أولاء ننقل لك ما دار بين عبيدة أو عبيد بن عبد الرَّحمن السُّلَمي أمير أفريقية وموسي بن الأشعث من حوار، قال موسى بن الأشعث:
"خَرَجْتُ من منزلي إلى الرملة، وكانت سكةً للبريد، فبينما أنا متوجه نحو القيروان إذ أنا بركب ثمانية على دواب البريد، فتصديت للقائهم، فإذا قوم سَراة، أجد عرف المسك كلما ضَرَبَتِ الريحُ إليَّ منهم، فسلم أحدهم وهو من أحسنهم هيئة وملبسًا ومركبًا، فرددتُ عليه السلام، وقال: سِرْ هاهنا! .. فَملْتُ إليه آخذًا معهم نحو القيروان، فسألني عن بعض حديث النّاس والبلد سؤال من لا يعرف البلد، فقلت: إذا توالت الغيوث فالواحد مائة قال: ينبغي أن يكون فحصًا مِسْناتًا، يعطي عامًا في أعوام، قلت: أجل! وقد سألتني فأخبرتك، وأنا أُحبُّ - أصلحك الله - أن أعرف من أنت؟ فإني أرى شَارَةً، قال:(أنا أميرك عُبيدة بن عبد الرَّحمن)