للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قل للقبائل من سُلَيْم كلها … هلك الأنيِسُ وعاش أهلُ المسجد

إن الذي ورث النبوة والهدى … بَعْدَ ابْنِ مريم من قُرَيْشٍ مُهتدي

أوْدَى الضِّماد وكان يُعْبَد مرّة … قبل الكتاب إلى النَّبِيِّ "محمد"

قال: فكتمت النّاس ذلك، فلم أُحَدِّتْ به أحدًا، حتى انقضت غزوة الأحزاب، فبينما أنا في إبلي في طرف العقيق، وأنا نائم، إذ سمعت صوتًا شديدًا، فرفعت رأسي، فإذا أنا برجل على حيالي، بعمامة، يقول: (إن النور الذي وقع بين الإثنين وليلة الثلاثاء، مع صاحب الناقة العضباء، في ديار بني أخي العنقاء)، فأجابه طائف عن شماله لا أبصره، فقال: بَشِّرِ الجن وأجناسها، إن وضعت المطيُّ أحلامها، ووكفت السماء أحراسها، أن بعض السوق أنفاسها).

قال العباس: "فوثبت مذعورًا، وعرفتُ أن محمدًا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُصطْفىً، فركبتُ فرسي وسرتُ حتى انتهيتُ إليه، فَبَايَعْتُه وأسلمتُ، وانصرفتُ إلى ضماد فأحرقته بالنار".

وقصة الهاتف الذي سمعه العباس بن مِرْدَاس من جوف الصنم، وقصة الهاتف الآخر الذي سمعه ولم يره، فيما بعد، مُبَشِّرين برسالة محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تتفق كلتا القصتين مع ثبوت وجود العالم غير المنظور - بالنسبة لأبصارنا نحن البشر - وآيةُ ذلك أن هنا في افاقنا وفي أجوائنا ملايين المخلوقات الصغرى جدًّا، التي لا نراها نحن البشر بأبصارنا المجردة، وقد ظلت أُلوفَ السنين مجهولة الوجود لدى بني الإنسان قاطبة مع شدة التصاقها بأجسامهم وأبصارهم وشدة تأثيرها الإيجابي والسلبي على ص حتهم وفي مآكلهم ومشاربهم، فلما هيأت المقادير لبعض بني الإنسان أن يخترعوا "المجاهر المُكبِّرةَ" أبصروا هذا العالم المتموج واستكشفوا وجوده بالوسائط المجهرية التي اخترعوها والتي بَصَّرتهم به من كثب، جعد جهل مطبق بوجودها وحيويتها يتصاعد في القدم إلى أجيال البشرية الأولى، ويقاس على وجود هذه المخلوقات الصغرى "الذَّرَّةُ" التي بدأت في عصرنا الحديث تفعل الأفاعيل الكبرى" وهي لا تُرى بالعين المجردة، وما كان يتحقق وجودها وعظم مفعولها قبل استكشاف الأجهزة التي تجليها وتؤثر في كيانها، ومثلها هذه الكهرباء أيضًا التي تعطينا النور المتوهج وتقوم بشتى الأفعال، فوجود عوالم غير منظورة لنا

<<  <  ج: ص:  >  >>