وكان أول أمير مرداسي اتصل به هو الشاب ثمال بن صالح، وقد نظم فيه قصائد مديحية وعُمرُهُ في نحو ثمانية وعشرين عامًا، وكان ممدوحه الأمير ثمال كريمًا مقصودًا يعيش عيشة الأمراء من أهل البادية، وفي تلك الفترة استولى صالح بن مرداس الكلابي (أبو ثمال) على حلب وما إليها حتى طرابلس، وذلك بسنة ٤١٧ هـ، وفي سنة ٤٢٠ هـ قُتِل صالح وتملَّك بعده ابناه: معز الدولة ثمال، وشبل الدولة نصر، ثم تفرد شبل الدولة بالأمر سنة ٤٢١ هـ، فخرج ثمال مُغاضِبًا له وعارمًا على قتال أخيه، وتوسط أمراء الأطراف من العرب بينهما بأن تكون حلب لنصر، وبالس والرحبة لثمال، أما أبو الفتح فقد ظل على ولائه لآل مرداس الكلابيين؛ يمدحهم وينال من جوائزهم السَّنِّية حتى أقعدته الشيخوخة عن متابعة ذلك.
وفي حياة أبي الفتح ظهرت في تاريخ الشام "بادرة الإنعام" على كبار الشعراء بألقاب الإمارة، وهي الألقاب التي كان أبو الطيب المتنبي وأضرابه من كبار شعراء جيله يسيل لعابهم طمعًا في إحرازها، ولكنهم حُرموا منها؛ لأن أوان تقرير الدولة لها لم يَحِن بَعْدُ، لا لأنهم لم يكونوا أهلًا لها، فاستحقاق المتنبي لها ومن في مستواه من شعراء رمانه أمر لا ريب فيه، وقد استشرف أبو الفتح لنيل لقب الإمارة الشعرية المرموقة، حيث إنه رأى نفسه أهلًا لها، وكان من حسن حظه أن أوفده الأمير تاج الدولة ابن مرداس إلى المستنصر العبيدي الفاطمي فمدح المستنصر بقصيدة عصماء مطلعها:
ظهر الهدى وتجمل الإسلامُ … وابنُ الرسول خليفة وإمامُ
مستنصر بالله ليس يفوته … طَلَبٌ ولا يَعْتَاصُ عنه مرامُ
ثم مدحه بقصيدة أخرى عام ٤٥٠ هـ، فوعده بإعطائه الأمارة. وفي عام ٤٥١ هـ أنجز له وعده (وقد تسلم أبو الفتح سِجِلَّ "الإمارة الشعرية" من يدي المستنصر في ربيع الآخر بتلك السنة) (١). وكان الذي سعى في تأميره وكتب له
(١) بوسعنا أن نستنبط من هذا النص نتيجتين: إحداهما أن لمنح لقب إمارة الشعر في عهد العبيديين بمصر سجلًا خاصًّا تدون فيه أسماء الأمراء من الشعراء الذين مُنحوا هذا اللقب بأمر رسمي، كما أن لهم شهادات أو براءات - وهذه ثانية النتيجتين - تسلم إليهم لإثبات ذلك، كما أن لهم مكانة شرف ممتازة في أواسط مجتمع ذلك العصْر. وإذن، فإن منح الأمير أحمد شوقي في هذا القرن، لقب إمارة الشعر ليس بدعًا=