للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واصطنعهم السلطان الحفصي وأثبتهم في ديوان العطاء واختص بالولاية منهم أولاد جامع وقومه من مرداس (عوف)، فكانوا له خالصة وتم تدبيره في غلب الدواودة وسائر رياح (الهلالية) في ضواحي إفريقيا وإزعاجهم عنها إلى ضواحي الزاب وبجاية وقسنطينة، ثم لما طال بالدولة فقد اختلف حال المرداسيون في الاستقامة مع السلطان ونفر منهم فضرب بهم إخوانهم من علَّاق (عَوف)، فنشأت الفتنة وسخط عنان بن جابر شيخ مرداس من أولاد جامع مكانته من الدولة التي هبطت بقصد من السلطان، فذهب مغاضبًا عنه مع بوادي مرداس (عوف) الناجعة أو الرُحَّل في نواحي زاغر (بلاد الجزائر حاليًّا)، فخاطبه السلطان على يد أبو عبد الله بن أبي الحسن يؤنبه على فعلته في مراجعة السلطان وقال له قصيدة طويلة منها:

قد المهامة بالمهرية القود … واطو الفلاة بتصويب وتصعيد

ومنها:

سلوا دمنة بين الغضا والسواجر … هل استن فيها واكفات المواطر

فأجاب عنان بن جابر المرداسي السُّلَمي عليها قائلًا:

خليلي عوجا بين سلع وحاجر … بهوج عناجيج نواج ضوامر

ثم لحق عنان هذا بمراكش بالخليفة السعيد من بني عبد المؤمن مُحَرِّضًا له على تونس وآل أبي حفص خصومه، ثم هلك في سبيل ذلك وقُبر في سَلا (شمال الرباط). وظل حال مِرداس (عَوف) بين الطاعة والنفرة مع الدولة الحفصية بتونس حتى هلك الأمير أبو زكريا واستفحل مُلك ابنه المستنصر من بعده وعلا الكعوب من علَّاق (عَوف) بذمة قوية من السلطان، وكان شيخ الكعوب عبد الله بن شيحة، وقد كان رجلًا داهية فسعى عند السلطان الحفصي لإخراج مرْداس من تونس كي يستبد هو وعلَّاق بالحظ من السلطان، فجمع سائر بطون علَّاق وحاربوا مِرْداس إخوتهم من عَوف بن بُهثَة (بني سُلَيْم)، وغلبوهم على الأوطان وأخرجوهم عن تونس، فصاروا إلى القفر من ناحية قسنطينة (الجزائر) في بادية الأعراب أهل الفلاة ينزعون إلى الرمل ويمتارون (أي يأخذون الميرة) من أطراف التلول تحت أحكام سُلَيْم أو رياح (هلَال)، وقد اختصوا بالتغلُّب على ضواحي قسنطينة أيام مرابع الكعوب (عَلَّاق) ومصائفهم في التلول، ويخالطون الكعوب

<<  <  ج: ص:  >  >>