للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم ينظرون وألقوا بالطيور من غير ريش على الأرض وذهبوا من حيث جاءوا فاتفق أفراد العلايا أن لا يرجعوا لأهلهم حتى يأتوا بعمل ما انتقاما وأخذا بالثأر، وعند ما أرخى الليل سدوله ذهب أفراد العلايا خلسة إلى (فرس) الشيخ منيسي وهي في مربطها فقتلوها وقفلوا راجعين، وفي الصباح التالي تأكد الجوازي من أن القاتلين لفرسهم هم أصحاب (الطيور) فضرب الطبل (١) إشعارا بحادث حدث، وكان الشيخ عبد النَّبِيّ أبو مطيريد (٢) زعيم عامة الجبارنة ورئيس قبائل الجوازي طريح فراشه لمرض ألم به فلما سمع صوت الطبل طلب إليه شيوخ قبائل الجوازي وسألهم عن سبب ضرب الطبل فقيل له أن فرس الشيخ منيسي قتلت البارحة في مربطها ونريد أن نقتفي أثر القاتل فأكد لهم أن قتل الفُرس لا يكون تعديا وأنه نتيجة عمل من الأعمال فاصدقوني في قولكم، أي شيء حدث منكم أو من أحدكم؟ فأخبروه بتفصيل ما حصل فتكدر وكانت هذه المرة الأولى التي يأمر فيها الشيخ عبد النَّبِيّ بمجاملة العلايا وتقديم العذر لهم وأمر قومه بأخذ بيت (٣) وانتخاب هيئة من علية الجوازي للذهاب إلى العلايا ومصالحتهم وتقديم العذر وطلب السماح ففعل الجوازي ذلك وأكرمهم العلايا أيما إكرام وقبلوا عذرهم وتسامحوا، وهنا جاء العلايا بمكرمة تذكر وهي أنهم قدموا للجوازي فرسًا من جياد الخيل بدلا من الفُرس التي قتلت، وعاد شيوخ الجوازي إلى زعيمهم عبد النَّبِيّ فأخبروه بما جرى من الإكرام والتسامح وتقديم الفُرس فسُرَّ لذلك ظاهرا ولكن عبد النَّبِيّ الداهية لا يغرب عنه ما سيقع بسبب هذا الحادث، وقد كان بقوة


(١) الطبل معروف عند العرب وهو آلة جوفاء تستعمل من الجلد وتضرب أثناء الحروب والإنذار بالحوادث المهمة ولها صوت عال وهي نذير الفزع، وفي العادة المتبعة تقوم بضربه امرأة من خيرًا نساء الحي.
(٢) كانوا يكنون هذا الزعيم الداهية بـ (حمار) برقة وهذه الكنية يراد بها التعظيم لا التحقير وهو من أشهر مشاهير زعماء السعادي.
(٣) من عادة العرب عندما يحصل بينهم سوء تفاهم نخشى عواقبه يحضرون بيتًا بجميع معداته وبامرأة تقوم فيه كطاهية ويؤخذ حيوان للذبح ودقيق وسمن، ويذهب مع هذا البيت أعيان القوم الذين بدروا بالإساءة إلى من أسيء إليه لتقديم العذر وينزلون عليه وبالطبع أن يقبل هو بدوره من جاءوا بالبيت ويحصل التسامح والوفاق، وفي الغالب لا يقوم بمثل هذا العمل إلَّا المستضعفون.

<<  <  ج: ص:  >  >>