للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القدماء: حين بلغ زناتة خبر طرود وعزمهم على تخريجهم من بلدتهم وتخريبها، عقدوا مجلسا لبعض رؤسائهم ومن جملتهم قاضيهم علي بن بركة الوصيف (١) وكانوا على دين الرافضة (٢) وكذلك طرود في ذلك الوقت ولم يكن لها اكتراث بذلك القاضي ولا امتثال لأوامره وإنما جعلوه اقتداء بمن جاورهم من البلاد مثل الجريد، إذ أيقظها الله من نومها وأخرجها من ظلمتها على يد سيدي أبي علي (٣) السني قبل سوف بكثير.

كانت نتيجة تلك الجلسة طلب الصلح من طرود وإظهار الغلبة لهم حتى يطمئنوا إليهم فإذا طال الحال وسارت الهدايا من الجهتين تتمكن زناته من خداع طرود وقتلهم بوجه آخر.

فوقع الأمر كما ذكر وأهدى الزناتيون هدايا لطرود وطلبوا منهم العفو عما سلف، قائلين لهم أنهم يؤدون قوما ذوي بأس شديد يحمونهم ويذودون عنهم وأنهم ما لازموا هذه الأرض إلا فرارا من أصحاب الظلم الذين كانوا متسلطين على الجريد واستصفوا أمواله وأذلوا رجاله وخربوا مساكنه الرفيعة.

فقبل طرود تلك الهدايا وتركوا ما كانوا عزموا عليه وسكن غيظهم وكثر


(١) الوصيف: كلمة تطلق في الجنوب على الزنجي والجمع وصفان أي الزنوج، أصلهم من أفريقيا الغربية. كان البرابرة الأولون المعبر عنهم بالتوارق يجلبونهم من هناك ضمن قوافلهم التجارية إلى غدامس، ثم صارت قوافل سوف تأتي بهم من غدامس فيوزعون على الأسر للعمل عندها فاندمجوا في أهل سوف وتأثروا بلغتهم ودينهم وعاداتهم وتكونت منهم أسر ونمى عددهم وتتابعت أجيالهم بسوف ونواحيها إلى اليوم، ولهم بعض العادات الخاصة وأولياء من جنسهم ينتسبون إليهم، ولهم حفلة تقليدية يحيونها سنويا يطلق عليها اسم حفلة سيدي مرزوق.
(٢) أطلق اسم الرافضة على من رفضوا خلافة أبي بكر الصديق ثم خلافة عمر بن الخطاب على أن علي بن أبي طالب أحق بها في نظرهم، ومن بين الرافضة كثير عزة الشاعر المعروف.
(٣) سيدي أبو علي ولي صالح من جنس السود المتقدم ذكرهم، وقد عاش بالجريد ومات بها وله ضريح يزار قرب مدينة نفطة التونسية.

<<  <  ج: ص:  >  >>