التردد على كل قبيلة من الأخرى، واتفقوا على أن من يذكر الوقائع القديمة التي كانت بينهم ولو تعريضا يقتل ولو كان سيد قومه وأن القبيلة التي تبدأ بالشر يتسلط عليها أصحابها وغيرهم ويخرجونها من الأرض رغما.
فدام الحال كذلك نحو السنتين حتى نسيت طرود ما فات وأقبلت على إصلاح شؤونها وكان سيدي مسطور يقول لطرود: إياكم والغفلة عن زناته فإنهم إذا تمكنوا منكم يقتلونكم وإذا لم يقدورا على ذلك يكيدونكم بمكيدة يهلكونكم بها. فلم يعبأوا بقوله ظانين أن زناته متمسكين بالعهد ويخشون من نقضه، كما أنه كان يرشدهم في أمور دينهم ودنياهم كما فعل سيدي عبد الله مع أهل تكسبت حتى تركهم واشتغل مع عبده بالتعبد في مكانهما الآن.
وكان سيدي مسطور يقول لطرود: لا تمنعوا أحدا أجنبيا أتاكم من السكنى معكم بل أكرموه وروجوه لتكثروا فتهابكم الناس، وأيضا فإن الولد الذي يأتي لكم من الأجانب يكون أشد بطشا وأشجع ممن يأتي لكم من بعضكم لحرارة الأول وبرودة الثاني كما قيل.
أقول: والمراد بالأجنبي العربي لا غيره، وقد أصاب سيدي مسطور في ذلك القول حيث إنه موافق للمعقول والمنقول (١)، فأما الأول فإن الإنسان إذا تزوج بابنة عمه لا يكون له فيها كبير اغتباط فيأتي ماؤه باردا فيتخلق الجنين منه فيكون غير نفاع، أما إذا تزوج بأجنبية فتكون رغبته فيها أشد وماؤه أقوى حرارة فيكون ولده كذلك، والحار يكون شجاعا والشجاع يكون سخيا.
وأما الثاني وهو المنقول، فالأمور كثيرة منها قول الشاعر:
إلا فتى لاقى العلا بهمة … ليس أبوه بابن عم أمه
ومنها ما قاله الباجوري في شرح قول كعب بن زهير المُزْني في بانت سعاد:
حرف أخوها أبوها من مهجنة … وعمها خالها قوداء شمليل
ونصه: أشار بهذا إلى كمال قوتها وصلابتها وغاية كرمها ونجابتها؛ لأن
(١) قد أثبت الطب الحديث أيضا صحة هذا الرأي، أي أن التزوج بغير القريبة في الدم أسلم لصحة النسل.