البهائم إلى قراباتها أشهى منها إلى غيرها ومتى كانت الشهوة أكمل كان الولد أقوى وأنجب، فتقارب الأنساب مدح في الإبل لأنه فيها سبب للقوة والنجابة بواسطة كثرة الشهوات في القرابات بخلافه عند الآدميين فإنه سبب للضعف؛ لأن شهوة الإنسان إنما تتحرك بالنظر إلى الأمر الجديد الغريب، أما المعهود الذي دام النظر إليه فلا تتحرك الشهوة كثيرا معه ولا تثور ثورة حارة عند مخالطته، ولذلك قال بعضهم:
إن أردت الإنجاب فانكح غريبا … وإلى الأقربين لا تتوصل
فانتقاء لثمار طيب وحسنا … ثمر غصنه غريب موصل
وفي الحديث:"اغتربوا ولا تضووا" والضوى بوزن الهوى هو الضعف والهزال في الولد وذلك بتزوج القرابات، والعرب تمدح بضد ذلك. قال الشاعر:
فتى لم تلده بنت عم غريبة … فيضوي وقد يضوي سليل الأقارب
وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يُخلق ضاويا" والضوى شديد النحافة.
ولا حجة في قول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا … بنوهن أبناء الرجال الأباعد
لأن المراد بذلك القرابة والأولوية في الأقرباء لا المراد بذلك الفائدة التي ذكرناها كما قيل في سبب إيراد البيت وهو أن المغيرة بن شعبة الثقفي كانت له بنت جميلة خطبها منه ابن أخيه وابن أخته فقال لهما: كل منكما قريب ولا أدري لمن أزوجها منكما لتساوي رتبتكما ولكن أكتب إلى عبد الرحمن بن الحكم وأفوض له أمرها فيزوجها بمن يشاء منكما، فحملا إليه الكتاب فقرأه ثم كتب له يخبره بأن يزوجها لابن أخيه وفي ذلك الكتاب قوله: بنونا بنو أبنائنا .. إلخ.
ثم أرادت طرود بناء قرية بقرب تكسبت فمنعتهم زناته معتلين بأن الأرض ضيقة وماؤها قليل فلا ينبغي التزاحم فيها والأفضل التباعد ليجد كل واحد أرضا حول بلده ترعى فيها الحيوانات وتسرح بها الدواجن (جمع داجن هو الحيوان الذي يألف البيوت).