كانت هذه الموجات أعدادا هائلة، ولعل بني سُلَيْم كانوا أكثر من الهلاليين عددًا وقد تحولوا جميعًا إلى مصر وإفريقيا حتى لم يبق لهم عدد ولا بقية ببلادهم (١) وامتلأت بجموعهم الجهات الشرقية من الحوف الشرقي والصحراء الشرقية حتى بلغوا الصعيد الأعلى.
ولبثوا كذلك زمنا، وانضم إليهم جماعات شتى من القيسية والسبئية مثل فزارة من القيسية، والمعقل من اليمنية، وبطون أخرى من القيسية، وصار اسم (بني هلال) علما على هذه الجماعات المتنوعة المتحالفة، ولعل السبب في هذه التسمية ما كان لهلال في ذلك الحين من نصيب في زعامة هذه الجماعات، وربما كان لسهولة الاسم ودورانه على الألسنة دخل في ذلك.
ورأى الفاطميون الفرصة سانحة لاستغلال هذه القوة الكبيرة في محاربة دولة بني باديس بالقيروان والمهدية من بلاد المغرب، وكان مؤسسها الحقيقي المعز بن باديس قد أعلن انفصاله عن الفاطميين وخلع طاعتهم، فعزم وزير الفاطميين في ذلك الوقت أبو محمد الحسن بن علي اليازوري على تسيير الجموع الهلالية وحلفائهم إلى المعز لقتاله، ولبثت هذه الجموع تملأ فضاء الجانب الشرقي من مصر عشرات من السنين وكانوا حينئذ كما وصفهم المقريزي (أهل بلاد الصعيد إلى عيذاب) وكانوا قد أحدثوا الشغب وأثاروا القلاقل في هذه المنطقة، فأذن اليازوري لهم في عام ٤٤٢ هـ للعبور إلى الجانب الغربي من النيل، والانتقال إلى بلاد المغرب لملاقاة المعز بن باديس، وكانت لهم هناك أحداث مثيرة ذكرها المؤرخون.
ويهمنا في هذا المقام أن نقرر أن هذه الجموع الهلالية لم ترحل كلها إلى بلاد المغرب، فقد آثر بعضها البقاء في مصر والإقامة بالحوف الشرقي شمالا، وبالصعيد الأعلى في أقصى الجنوب ولا نعرف من الشواهد ما يدل على أنهم سكنوا أيضًا الصعيد الأدنى أو الأوسط، ولعل اختيارهم لمنطقة الصعيد الأعلى، يرجع إلى غنى هذه المنطقة في ذلك الحين، فمن المظاهر الواضحة أن الوادي الخصيب لا يتسع في الجانب الشرقي للنيل إلا عند الصعيد الأعلى.
(١) هذا نص البيان والإعراب، قلت: وقد جانبه الصواب حيث بني سُلَيْم ما زال قسم كبير منها في بلادها في الحجاز حتى الوقت الحاضر.