وهذا دعاهم إلى الإقامة والاستقرار والتطور من البدو الضاربين فيما يشبه الصحراء إلى فلاحين يزرعون الأرض ويتجرون في غلاتها، وإن احتفظوا بإثارة من الفروسية، تبدو في إجادتهم ركوب الخيل، وما يشتجر من فتن وحروب، ومنها ما يقع بين أحياء القفر، أما في الحوف الشرقي فلا تزال آثارهم شاخصة إلى يومنا هذا.
وعن حروب بني هلال في الصعيد، ففي عام ٧٤٩ هـ نشب نزاع بين عرك من جُهينة وبين بني هلال، وقد تدخل المماليك في هذا النزاع، ومالأوا بني هلال، وقتل عدد كبير من المماليك وأمرائهم في هذا الحادث، وكان هذا إيذانا بحرب عنيفة بين المماليك والعركيين وحلفائهم.
وأضاف عن انتقال بعض بني هلال إلى بلاد السودان قائلا:
سكن بنو هلال وحلفاؤهم صعيد مصر الأعلى منذ عهد الفاطميين كما أشرنا من قبل. وإن مجاورة هذه المنطقة لبلاد السودان هي مما يقوي الاحتمال بأن جماعات منهم قد نزحت إلى السودان في أزمان مختلفة، ولكن يبدو أن هذه الجماعات كانت قليلة متفرقة ولاسيما في شرق السودان، بحيث لم تستطع أن تحتفظ بكيانها زمنًا طويلا، فاندمج معظمها في مجموعات أخرى وصار الانتساب إليهم قليلا محدود الأثر، أما في غرب السودان، فإن التأثير السلالي يظهر بصورة أقوى وأوضح لسبب سنذكره بعد قليل.
ومع هذا فإن ذيوع سيرة الهلاليين وتردد أصداء قصة أبي زيد وتغريبة بني هلال في المجتمعات العربية في السودان شرقًا وغربًا، كان له أثر بالغ في حياة عرب السودان الاجتماعية والثقافية، والراجح أن السودان عرف الهلاليين بعد أن ذاع صيتهم على أثر الغزوات التي قاموا بها في شمالي إفريقيا واشتهار أبي زيد الهلالي في البوادي والقرى العربية، ومن هذا ندرك أن تأثير الهلاليين في السودان لم يكن وليد تغلغل النسب الهلالي وحده، بل كان كذلك نتيجة تعلُّق عرب السودان بسيرة أبي زيد الهلالي والشخصيات التي لعبت دورًا فيها، فالتأثير له جانبان، سلالي وجانب قصصي.
ومن الطريف أن معظم روايات غرب السودان، تكاد تتفق على أن الهلاليين