وأغروهم بقتل فضل وتناول الأمر من يده وهو يومئذ بقرية ماشاش قرب بسكرة ولهم اختلاط مع أهلها بالنسب والصهر فقتلوه ظاهر البلد سنة ٨٨٣ هـ وانتقلوا إلى بسكرة فنبذ لهم بنو رمان عهدهم لعامين من حلفهم، فلم تسعهم المدينة ولا قرية ماشاش لقربها فتفرقوا في وادي ريغ، واستبد بنو رمان ببسكرة وتغلبت رياح على الزاب.
وكان منصور بن فضل لما قتل أبوه بتونس فخشي بنو رمان غائلته، وسعوا به لدى السلطان أبي حفص فاعتقله إلى أن تمكن من الفرار ولحق بأوراس فنزل على أشبه من كرفة خير منزل، ثم لحق ببجاية سنة ٧٩٢ هـ وأبو زكرياء بن أبي إسحاق يومئذ مستقل بها والزاب في طاعة صاحب تونس فتقرب إليه منصور واستظهر به على ولاية الزاب على أن يحول دعوته إليه كما فعل أبوه مع أبيه من قبل فسرحه سنة ٧٩٣ هـ بالجنود إلى بسكرة واستبعد بنو رمان صاحبهم بتونس فوفدوا على أبي زكريا مبايعين خائفين من منصور فأمنهم وجعل أحكامهم إلى قائد عسكره وكتب إلى منصور بالعفو عنهم ففتحوا أبواب المدينة لمنصور وعسكر بجاية وبعد أن ثبتت قدم منصور في بسكرة أجلى بني رمان عنها كما أجلوا قبل أولاد جرير، وكما تدين تدان.
أعجبت حكومة بجاية بصدق طاعة منصور وحسن إدارته، فأضافت له ورقلة ووادي ريغ والحضنة وجبل أوراس، وبقيت كذلك لخلفه، فإمارة بني مزني تمتد من ورقلة جنوبًا إلى المسيلة ونقاوس شمالا، ومن الدوسن غربًا إلى باديس شرقًا، ودخلت مواطن عياض وسدويكش في هذه الإمارة أيام منصور خاصة.
ولهذه الإمارة مواصلات تجارية مع أهالي السودان وما حولها من الأوطان، ولتوسطها بين الصحراء والتل جمعت بين خواصهما: تجد فيها النخيل والزيتون والإبل والبقر، وتحسن بها تربية المواشي وفلاحة الحبوب والثمار. فكان أهلها أغنياء وأمراؤها تشبه ثروتهم ثروة الملوك.
قال العياشي المغربي في رحلته: "وبسكرة من أعظم المدن وأجمعها لمنافع كثيرة مع توفر أسباب العمران فيها، قد جمعت بين التل والصحراء ذات نخيل كثير وزرع كثيف وزيتون ناعم وكتان جيد وماء جار في نواحيها وأرجاء متعددة